حيثيات حكم «الإدارية العليا» بإعادة كنوز الصحراء الشرقية للدولة

أودعت المحكمة الإدارية العليا حيثيات حكمها لصالح الهيئة العامة للثروة المعدنية ضد محمد الدجوى المسئول عن الشركة المصرية للتعدين ومصلحة المناجم والمحاجر ووزير البترول والثروة المعدنية بإلغاء حكم محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة الصادر بإلزام الهيئة العامة للثروة المعدنية بتحرير عقود استغلال لمحمد الدجوى بصفته المسئول عن الشركة المصرية للتعدين للمساحات.

وقضت برفض دعوى الشركة لصالح الدولة ممثلة في الهيئة العامة للثروة المعدنية بأحقيتها بالتراخيص أرقام 3857، 3858، 255 بمنطقة الحجاز 3،2،1 بالصحراء الشرقية للبحث والتنقيب عن المعادن والبحث عن خام الفوسفات، حال كونها سبق بحثها وغنية بالفوسفات وكان يتعين إجراء مزايدة علنية لصالح الخزانة العامة لا بترخيص منفرد.

وقالت المحكمة برئاسة المستشار يحيى خضرى نوبى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد منصور وناصر رضا عبد القادر والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وعبد العزيز السيد نواب رئيس مجلس الدولة: إن الدولة قد أولت فيه اهتماما جمًا ورعاية قصوى بمسألة استغلال الخامات المعدنية المطمورة في جوف الأراضي المصرية باعتبارها من مقدرات الشعب وعماد ثرواته القومية، فلا ريب إن الثروات المستودعة خزائن أراضيها تشكل مصائر الأجيال وتساهم بعمق في رسم ملامح مستقبل الأمة وطريقها نحو المزيد من التحضر فتلك الثروة الأسيرة في طبقات الأراضي المصرية تريد أن تتحرر من أسرها أسوة بأوطان أخرى يشهد لها الزمان تطاولها في البنيان الحضاري بعدما استغلت ثرواتها الحبيسة في الأعماق بل إن أقلام التاريخ لم تنفك تسجل مؤامرات تحاك وحروبًا تشن وشعوبًا تسقط طمعًا في الاستيلاء على هذا الصنف من الثروات من فرط أهميتها الإستراتيجية، وبهذه الصورة باتت مسألة حسن استغلال هذه الثروات الراسخة في الأعماق من الأمور التي تصل إلى آفاق المصلحة العامة لكونها ترتبط ارتباطا عميقًا بآمال المصريين وتطلعاتهم في مستقبل يسير نحو النماء والحداثة من جراء العوائد الناتجة عن استغلالها.

وأضافت المحكمة أن المشرع من خلال نصوص تشكل منظومة بعدم التفريط في هذه الثروات واستغلالها الاستغلال الأمثل فقرع أبواب مساهمة الجهات الخاصة للخوض في العمليات الاستكشافية للخامات المعدنية الضامرة في أقطار الأرض كدعوة أطلقها لمشاركة القطاع الخاص في هذا المضمار من خلال تراخيص تتكفل بنودها تحقيق هذا الأمر حيث توخت سير العملية الاستكشافية الصادر لها ترخيص البحث على درب من التوازن بين المصلحة الخاصة لطالب ترخيص البحث والمصلحة العامة.

وأشارت المحكمة إلى أنه إذا كان طالب ترخيص البحث له مصلحة خاصة في الظفر بهذا الترخيص توطئًا للفوز باستغلال الخام المستكشف ومن ثم جني ثمار بحثة وحصد أرباحًا مالية، فأن المصلحة العامة تقتضي أن تكون شرائط إصدار هذا الترخيص على قدر منضبط يعصم الجهة الإدارية من الوقوع في هاوية عمليات بحث لا طائل من وراءها تستنزف وقتها وتستهلك جهدها لذلك حددت أحكام القانون لمنح ترخيص البحث شروطًا جوهريًا مضمونها تحقق الكفاية الفنية اللازمة في طالب الترخيص للاضطلاع بهذه العمليات الاستكشافية على الوجه الذي يحقق مرادها، كما اَثر المشرع وضع حدودًا زمنية قصوى لمدة الترخيص حاصلها إلا تربو مدة تراخيص البحث – سواء المدة الأصلية أو المدد المجددة عن أربعة سنوات وفقًا للشروط والأوضاع المقررة قانونًا.

وأوضحت المحكمة أنه يراعي عند الترخيص بالبحث وإبرام عقود استغلال لخامات المناجم عدم إصدار عقود الاستغلال في مناطق الرواسب المعدنية التي قامت هيئة المساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية بعمل أبحاث عليها ورفعت من قيمتها الاقتصادية سواء للقطاع العام أو الخاص إلا بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة الذي يضع أسس استرداد ما تم إنفاقه على الأبحاث والحكمة من استئثار هذه المناطق بهذا الحكم المنفرد المستوجب إجراء مزايدة عليها تجد تفسيرها في إن هذه المناطق حتى تصل إلى مستوى من الدلالة العلمية التي تنطق بوجود الخام المعدني في غياباتها تكون الجهة الإدارية في الأغلب الأعم قد سلكت أساليب وعرة أفرغت فيها أمولًا ليست بالهينة تزكيها جهودًا مضنية في سعيها مستبشرة بالظفر بهذه النتيجة.

وتابعت: الأمر الذي من شأنه أن تعلو قيمة هذه المناطق اقتصاديا لذا كان لزامًا أدراجها في أطار متميز عن غيرها من المناطق العقيمة ومن ثم طرحها في مزايدة علنية كي تستفيد الدولة منها ماديًا بقدر أعلى يشفع للمصاريف التي عسى أن تكون قد بذلت فيها وترمم بها الجهود التي أبليت لتنال التأكيد بوجود الخام المعدني في أحشائها فيربو مقابل استغلالها ويعظم قدره مقارنة بعقود الاستغلال الأخرى المشار إليها وبالتالي تغاير هذه المناطق في مكانتها الاقتصادية مثيلاتها من مناطق أخرى لم تنال تأكيد بوجود الخام في أعماقها التي تخضع لعمليات البحث من قبل المرخص له والذي يتوجب عليه إنفاق أموال عليها تبرر أن يكون عقد الاستغلال الصادر عنها– إذا ما تم اكتشاف الخام فيها – مراعيًا في مقداره المالي هذه المسألة والذي يقل هذا المقدار.

واستطردت المحكمة أنه لا جدال عن عقود المناطق التي حظت بتأكيد من الجهة الإدارية بثرائها بالخام والجاهزة للاستغلال بصفة مباشرة دون حاجة لعمليات بحث، وترتيبًا على تلك التفرقة في عقود الاستغلال التي أبرزها المشرع لا يسوغ للجهة الإدارية بحال المضي في أبرام عقود استغلال بطريق مباشر لأراضي سبق لها إجراء بحث عليها وتأكد لها إنها زاخرة في بواطنها بالخام المعدني وغرت به غرًا، إذ تصير هذه المنطقة معصومة من تراخيص البحث وعقود استغلالها المباشرة، وإغفال هذا الأمر يستوي مخالفة صريحة لأحكام القانون وغمطًا لحقوق الدولة المالية وإيذاءً لمصلحة المرفق ومن ثم إهدار مؤكد لأموال عامة كان من الممكن أن تكون في حسابات الهيئة فيما لو كانت قد اتخذت من المزايدة منهجًا وطريقًا، الأمر الذي يستوجب الأخذ بأسلوب التعاقد الذي عينه المشرع دون سواه.