في غير حالات التلبس …. مسخرة من ثلاثة مشاهد

في غير حالات التلبس …. مسخرة من ثلاثة مشاهد

بقلم : إبراهيم عبدالعزيز سعودي

( مسخرة هي تعبير عربي فصيح يقال لشئ بلغ حدا بعيد من استهزاء الناس به ، وسخريتهم منه ، فيصير عندهم مسخرة )

مشهد 1 ليل داخلي داخل أحد أقسام الشرطة

المحامي : لو سمحت اللي انت كتبته ده مش هو اللي قاله موكلي المقبوض عليه
الضابط : والله انت مش هتعلمني شغلي
المحامي :  وهو شغلك انك تزور وتلفق
الضابط : ( ينادي بصوت مرتفع )  يا عسكري خد الجدع ده ارميه في الحجز
المحامي : يرمي مين في الحجز وبتهمة ايه ان شاء الله
الضابط  : يرمي حضرتك وبتهمة التعدي على موظف عام أثناء وظيفته
المحامي : ازاي انت مش من حقك تقبض علي اثناء ممارسة عملي
الضابط : في غير حالات التلبس …. وانت متلبس بالجريمة روح اقرا الدستور اللي كتبه نقيبك كويس يا استاذ

مشهد 2 : نهار داخلي داخل أحد مكاتب وكلاء النيابة العامة

وكيل النيابة  : انت ازاي تدخل كده من غير استئذان
المحامي : أنا واقف على الباب بقالي أكتر من ساعتين
وكيل النيابة : وإيه يعني ان شاالله تقعد عشر ساعات انت شايفنا فاضيين لك
المحامي : أيوه فاضي حضرتك بقالك ساعة قاعد مع ضيوف مالهيمش علاقة بالعمل وساعة بتحكي في التليفون .
وكيل النيابة : ( يبدأ في الصياح مشيرا الى الباب ) اطلع بره ومتدخلش تاني من غير اذن
المحامي : لا مش هاطلع ومش من حقك تطردني
وكيل النيابة : ( متوعدا ) طب انا بقى هافرجك ازاي مش من حقي (ثم ينادي صارخا ) يا عسكري انده الحرس … ياخدوه يعملوله محضر بتهمة التعدي على وكيل نيابة اثناء تأدية وظيفته
المحامي : ازاي انت مش من حقك تقبض علي اثناء ممارسة عملي
وكيل النيابة : في غير حالات التلبس … وانت متلبس بالجريمة روح اقرا الدستور اللي كتبه نقيبك كويس يا استاذ

مشهد 3 : نهار داخلي داخل أحد قاعات المحاكم

 القاضي : ( موجها حديثه الى سكرتير النيابة ) استني يا ابني متكتبش حاجة
المحامي : دي واقعة مهمة حدثت اثناء الجلسة ودليل براءة لموكلي ومن حقي اثبتها في محضر الجلسة
القاضي : انا اللي بدير الجلسة واقول ايه اللي يتكتب وايه اللي ما يتكتبش
المحامي : محضر الجلسة معد لإثبات ما يدور فيها ويتمسك به الدفاع ويقرع سمع المحكمة والمسألة ليست على الهوى .
القاضي : والله أنا كده لو مش عاجبك روح اشتكيني
المحامي : وازاي اشتكيك وانت بترفض اثبات ما يحدث بالجلسة ده تزوير وانكار للعدالة
القاضي : انت بتتهم المحكمة بالتزوير ( ثم ينادي على حرس المحكمة ) يا حرس حطه في القفص جنب موكله .
المحامي : يحط مين في القفص وبتهمة ايه ان شاء الله
القاضي : يحطك انت وبتهمة اهانة هيئة قضائية
المحامي : ازاي انت مش من حقك تقبض علي اثناء ممارسة عملي
القاضي : في غير حالات التلبس … وانت متلبس بالجريمة روح اقرا الدستور اللي كتبه نقيبك كويس يا استاذ

هذه المشاهد الثلاث الكاشفة وغيرها من المشاهد المتكررة تلخص لنا الكارثة التي يتعرض لها المحامون بسبب نص الفقرة الأخيرة من  المادة 198 من  الدستور والتي نصت على أنه :
” المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلاً، ويتمتع المحامون بمن في ذلك محامو الهيئات وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، فضلا عما قرره القانون لهم من ضمانات أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم مع سريان ذلك أمام جهات التحقيق والاستدلال، بكافة الضمانات والحماية القانونية.
ويحظر في غير حالات التلبس القبض على المحامى أو احتجازه أثناء مباشرته حق الدفاع، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون “.

ولا يغير من حقيقة هذه المشاهد المؤلمة و ذلك الواقع المرير ذلك التفسير المغلوط الواهم الخادع للنص الدستوري ، الذي راح يقدمه عاشور ويروج له مهلليه وأنصاره ومطبليه وكذلك من سار سيره ونهج نهجه ودار في فلكه مدافعا عن هذا النص الأحمق ، بقالة أن  الفقرة السابقة من ذات النص على الفقرة المتعلقة بجواز القبض على المحامي تضع استثناء أو قيدا يمنع القبض على المحامي أثناء المحاكمة أو التحقيق أو الاستدلال فيما يدعى من حالات التلبس ذلك أن هذا التفسير الكاذب الشائه مردود بالآتي  :

أولا : ففي الوقت الذي جاءت فيه الفقرة الأخيرة صريحة قاطعة لا تحتمل التباسا ولا تأويلا في أنه يجوز القبض على المحامي في الجرائم المنسوبة اليه أثناء وبسبب مباشرة عمله تحت ستار وجود حالة من حالات التلبس ، فقد جاءت الفقرة السابقة عليها من النص شائهة ركيكة ملتبسة تتحدث عن ضمانة غير منضبطة ولا مفهومة وتحيل الى قانون غير محدد ، وفي عبارة لا تفهم منها أي حماية وأي ضمانة وأي قانون ، وهل هو قانون سابق أو لاحق .

ثانيا : أنه لو صح ما يدعيه عاشور من أن جواز القبض في حالات التلبس يستثنى منه جرائم الجلسات والتحقيق ، لما ثارت ثائرة إدارة  نادي القضاة بزعامة رئيسه المستشار أحمد الزند عندما استبعدت اللجنة التي وضعت الدستور عبارة في ( غير حالات التلبس ) ، ولم يهدأ النادي ورئيسه ونفرٌ من القضاة الكارهين للمحاماة والمحامين إلا بعدما أعادت اللجنة هذه العبارة الكارثية تحت ضغوط نادي القضاة ، وبغير اعتبار لاعتراضات عاشور بما تدل معه ثورة رئيس نادي القضاة أنها لم يقصد بها غير جرائم الجلسات والتحقيق التي هي جوهر الضمانة التي يحتاج اليها المحامي .

ثالثا : أن أي دارس مبتدئ للقانون وقواعد التفسير  لا يلوي عنق النص ولا ينحرف بالتفسير يفهم في وضوح ما ذهب إليه النص من جواز القبض على المحامي حتى ولو كانت الجريمة المدعى بها عليه أثناء وبسبب مباشرته لعمله لأن الفقرة الثالثة من النص الدستوري جاءت مخصصة للحديث عن القبض بما يقيد أية ضمانة عامة و مطلقة لما هو معلوم في قواعد التفسير من أن الخاص يقيد العام على فرض وجود هذا العام  أصلا .

رابعا : أنه لو وُجدت شجاعة الدفاع عن الحق ، وصحت النوايا ، وحسنت الأفعال ، لكنا في غنى عن هذه الركاكة الدستورية والالتباس في الفهم والجنوح في التفسير بأن تجري صياغة النص في وضوح قاطع لا لبس فيه بشأن عدم جواز القبض على المحامي أثناء وبسبب مباشرة عمله أمام كافة الجهات بما فيها جهات القضاء والتحقيق والاستدلال ودون الاحالة العائمة الغائمة الهائمة الى قانون غير مفهوم ولا معلوم من النص الدستوري .

خامسا : أن المطالبة بعدم جواز القبض على المحامي فيما يتعلق بعمله سببا وممارسة لا يعد تمييزا له لأنه مقصور على الجرائم التي تنسب اليه اثناء وبسبب عمله لتمكينه من آداء حق الدفاع ، وليس مطلقا في كل الجرائم التي يرتكبها المحامي كآحاد الناس .

سادسا : أن النص الخاص بالمحاماة وباستثناء الفقرة المنقولة حرفيا من نص المادة الأولى من قانون المحاماة عن مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة فإن ما عدا ذلك من النص جاء بالغ الركاكة من حيث الصياغة ، و مشوب بالالتباس من حيث الفهم ويكفي مثلا لذلك التحدث عن المحامين في الهيئات والشركات وكأنهم يختلفون عن غيرهم من المحامين ،  والتحدث عن قطاع عام وقطاع أعمال قد لا يكون لهما وجود في المستقبل الى آخر ما جاء بالنص من ركاكة والتباس .

سابعا : أن التخاذل من عاشور يبدو فاضحا  ، والتهاون يجلو فادحا  اذا ما عقدنا المقارنة بين موقف نقابة المحامين من المحاماة وموقف نقابة الصحفيين من الصحافة والذي لم يقبل الأخير أي مساس بالنص الذي يحمي الصحفيين من الحبس في جرائم النشر حيث نصت المادة 71 المتعلقة بحرية الصحافة في صراحة ووضوح على أنه

” …… ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية  “

على الرغم من أنه أوسع في الحماية اذ عدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية مطلقا يقتضي بداهة عدم جواز القبض والحبس احتياطيا ، ورغم وجود التمييز الفعلي للصحفيين بهذا النص وهو ـ بالمناسبة ـ تمييز إيجابي لا نرفضه إيمانا بحرية الرأي وحرية الصحافة .

أخيرا … فإنني هنا الآن لا أوجه حديثي الى نقيب المحامين فقد فات أوان الحديث معه ومضى ، ولا أوجه حديثي لشلته ومهلليه وأنصاره ومنتفعيه الذين سيقابلون هذا الرأي بالبذاءات والإساءات المعتادة وإنما أوجه حديثي الى جموع المحامين الحقيقيين الذين لا هم لهم سوى هذه الرسالة النبيلة التي يؤمنون بها ويحملون مشعلها ويكتوون بنارها في كل نهار وساعة …. اللهم قد بلغت …. اللهم فاشهد .

(انتبه : الوعي هو الحل )

للتواصل مع الكاتب عبر حسابه على فيس بوك

https://www.facebook.com/ibseoudi

وعبر صفحته الشخصية على فيس بوك

https://www.facebook.com/ibrahem.seoudi?ref=hl

 

2 تعليقات

  1. ربنا يعوض علينا في مجلس النقابه هو من اهدر حقوقنا نحتاج وقفه تصحيح بل ثورة تصحيح لهذه النقابه

  2. احمد السيد عطا المحامي بالاستئناف العالي

    نتمني الدعوي لوقفة جادة وحاشدة ومتواصلة لفترة حتي يعود النص الدستوري بالغاء الفقرة المعيبة وحماية المحامي اثناء وبسب عمله حتي في حالة التلبس بالجرائم التي تقع منه اثناء وبسبب وظيفته – الرجاء مواصلة الرفض بكافة اشكاله صدا لهجوم نادي القضاة