أحمد الدرينى يكتب | هل اختفت ناقلة النفط «كاماري» داخل مصر؟

أحمد الدرينى يكتب | هل اختفت ناقلة النفط «كاماري» داخل مصر؟

أحمد-الدريني

(1)

نشرت وكالة رويترز للأنباء، قبل يومين تقريبا، تقريرا عن اختفاء ناقلة نفط من سواحل تكساس بالولايات المتحدة، بينما كانت محملة بما قيمته 100 مليون دولار من النفط الخام، متنازعا عليه بين إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية.

ربما يبدو الخبر غريبا، فكيف يختفي «شيء ما» بحجم ناقلة نفط؟

لكن تقرير رويترز سيحاول تفسير الأمر فنيا ماضيا في القول بأنه:

«يوم الخميس لم يظهرعلى نظام إيه.آي.إس لتتبع حركة السفن الذي يستخدمه خفر السواحل الأمريكي وتستخدمه أيضا وكالة رويترز أي مكان معلوم للناقلة يونايتد كالافرفتا التي تحمل مليون برميل من الخام وكانت ممتلئة بنسبة 95 بالمائة عندما اختفت. وقامت ناقلات أخرى تحمل خاما محل نزاع بين إيران وإقليم كردستان العراق بتفريغ شحناتها بعد أن أغلقت أجهزة التتبع وهو ما يؤدي إلى صعوبة رصد تحركاتها».

إلى هنا، فالأمر على غرابته، لا يخصنا بصورة مباشرة، رغم أنه واقع في صميم الخلافات الإقليمية الطاحنة التي تحيط بنا.

غير أنه في هذا التقرير الذي تناول وقائع اختفاء ناقلات نفط عملاقة، سنجد معلومة «محشورة حشرا» وسط هذه الحوادث عن اختفاء ناقلة النفط اليونانية «كاماري» في شمال سيناء قبل أيام قليلة، ثم ظهورها بعد اختفائها بيومين قبالة سواحل إسرائيل وهي خالية من حمولتها!

المعلومة جديدة، ولم تتطرق إليها أي وسيلة إعلامية من قبل، ووكالة رويترز- افتراضا- مؤسسة لها سمعتها العالمية في الاستيثاق والتثبت من المعلومات، خاصة إذا كانت على هذا القدر من الخطورة.

(2)

سنحاول البحث مرة أخرى، لنفاجأ بشيء جديد.

هذه الفقرة الخاصة باختفاء ناقلة نفط في مصر، موجودة في النص الإنجليزي، في حين أنها غير موجودة في الترجمة العربية التي قدمتها وكالة رويترز لنفس التقرير!

أي أن النسخة التي طرحتها الوكالة لوسائل الإعلام العربية خالية من معلومة على هذا القدر من الخطورة والأهمية، لسبب ما لا نعرفه.

لكن بالعود مرة أخرى، سنجد أن المعلومة مذكورة بلا مصدر، فضلا عن كونها منقوصة، فلا نحن عرفنا جهة الناقلة ولا مقدار حمولتها ولا مسارها على وجه الدقة. رغم استناد وكالة رويترز في معلوماتها حول الناقلات ووجهات إبحارها إلى نظام تعقبها (AIS) (الذي تشترك فيه هي وخفر السواحل الأمريكي) لرصد مسارات السفن.

بالبحث، ستقودنا النتائج إلى موقع جريدة هاآرتس الإسرائيلية بتاريخ 20 أغسطس، حيث نجد تقريرا مطولا عن اختفاء الناقلة «كاماري»، يشير إلى أنها كانت محملة بصورة جزئية بشحنة من النفط وتوقفت شمال سيناء في 17 أغسطس، لتختفي لمدة يومين بعدما أغلقت الناقلة «مستجيبات» إشارات الأقمار الصناعية، لتظهر بعد ذلك قبالة سواحل إسرائيل تحديدا في 19 أغسطس. وإزاء هذا الاختفاء الغامض..لم يعد ممكنا تمييز أين تم تفريغ الحمولة ولا من المشتري.

يمضي تقرير هارآرتس إلى أن «كاماري» تعرضت لحادث إخفاء آخر في 1 أغسطس بعدما تحركت من أحد الموانئ التركية، ثم ظهرت بعدها بـ4 أيام على بعد 200 كيلومتر من كل من السواحل المصرية و«الإسرائيلية»، بعدما أفرغت حمولتها في مكان مجهول ولمصدر مجهول أيضا!

وفقا لرواية رويترز، سيبدو أن الحمولة فقدت في مصر أو أنها طرف في الأمر، ووفقا لرواية هاآرتس الإسرائيلية فإن مصر وإسرائيل تتشاركان عدم معرفة «المشتري الخفي» و «نقطة التفريغ».

عند هذه النقطة دعنا نحاول تتبع رحلات الناقلة «كاماري» عبر موقع مارين ترافيك، المعني بمتابعة حركات الناقلات والشاحنات عبر البحار، وتوضيح كل البيانات المتعلقة بمجال النقل البحري تقريبا.

(3)

الآن، وقت كتابة هذا المقال (31 أغسطس 2014، السادسة مساء بتوقيت القاهرة) فإن «كاماري» تمضي في طريقها في البحر المتوسط، بينما آخر 4 نقاط وصول مسجلة لها على الموقع هي ميناء (جيهان) التركي، بتواريخ 27 أغسطس، و8 أغسطس، و30 يوليو، ومرة أخرى لا تحمل تاريخ وصول!

بالعودة إلى موقع «مارين ترافيك»، وبعد تسجيل اشتراك (محدود القدرة على الحصول على بيانات) سيكون آخر تاريخ بمقدورك تتبع نشاطات ميناء بورسعيد من خلاله هو 18 أغسطس، أي بعد الحادثة بيوم. قد يكون الأمر صدفة وقد لا يكون.

اتصلت بأكثر من مصدر متخصص في النقل البحري، وكلهم في البداية استنكروا فكرة أن تختفي ناقلة نفط من الأساس، وتوسعوا في شروح فنية حول أنظمة التعقب والتتبع التي تخضع لها هذه الناقلات.

غير أنهم ذهلوا تماما ورفضوا مجرد تصديق فكرة أن هناك ناقلة نفط اختفت في مصر.

أحد هؤلاء المصادر قال إن الميناء الذي تنطبق عليه أوصاف التقرير (يقع في شمال سيناء) وهو ميناء بورسعيد، وهو أمر مستحيل نظرا لأنظمة المراقبة في هذا الميناء وطوال الطريق حتى سواحل الكيان الصهيوني.

غير أن مصدرا آخر أوضح نقطة فنية، وهي أن بعض من تربطهم أعمال تجارية بإسرائيل يضللون أجهزة التعقب حول وجهات تحركهم، كأن يسجلوا أن إبحارهم يتجه إلى قبرص في حين يتجهون لإسرائيل بعد إغلاق أجهزة التعقب، إخفاء لمصالحهم مع إسرائيل.

لكن التقرير الإسرائيلي نفسه يبدو مندهشا من اختفاء حمولة «كاماري» مرتين في شهر واحد، نافيا أن تكون إسرائيل قد حصلت على أي من الشحنتين.

ومن ثم فإن الطرف المشترك في حوادث اختفاء «كاماري» هو تحركها من أحد الموانئ التركية.

(4)

حادثة اختفاء «كاماري» مرتين خلال شهر واحد، تطرح عدة أسئلة ضرورية:

أولا: لمصلحة من يذهب هذا النفط وما نقاط التفريغ وما الذي يجري بالقرب من السواحل المصرية بالضبط؟ وهنا نحن أمام احتمالين إما أن مصر وتركيا قد تعاونتا لمد غزة بالوقود، أو أن تركيا منفردة فعلتها، أو مصر منفردة فعلتها، وفي كل السيناريوهات فإن إسرائيل مرشحة لأن تكون طرفا بالمعرفة.

غير أن علاقة مصر السيئة بحماس تقوض احتمال أن تكون مصر هي المصدر، وهذا بافتراض أنه ذهب لغزة..أي نعم هو «افتراض» لكنه وجيه في هذه الحالة.

ثانيا: الإيحاء بأن مصر كانت طرفا في عملية إخفاء «كاماري» في النسخة الإنجليزية من تقرير رويترز.. يصب في صالح من؟

ثالثا: لماذا تم حذف الفقرة الخاصة بمصر في الترجمة العربية؟

رابعا: السؤال يطرح نفسه بالضرورة حول دور تركيا، نقطة الإبحار على مدار الشهر الماضي، في هذه العمليات.

فمعنى هذا قد يكون أن نفط كردستان العراق الذي يخرج عبر ميناء جيهان التركي، رغما عن إرادة الحكومة العراقية، قد يكون متوجها لإسرائيل عبر تركيا في عملية ذات غطاء خاص، سيما إذا ما علمنا أن إسرائيل أيدت استقلال إقليم كردستان بقوة.

خامسا: رغم حادثتي اختفاء «كاماري» في شهر، يقول الفنيون من المصادر التي تواصلت معها، إن الاختفاء لا يتم إلا بمعرفة ربان الناقلة الذي قام بفصل إشارات الاتصال بينه وبين الأقمار الصناعية، ما يوجب خضوعه للتحقيق. غير أن أحدا لم يسائل الربان أو يقل لنا شيئا جازما حول مسار الناقلة التي مازلت تتحرك في البحر المتوسط بحرية.

ربما تكون مصر (الرسمية أو غير الرسمية) طرفا في عمليتي تفريغ «كاماري» وفقا لما ذهب إليه بعض الذين حاولت استطلاع آرائهم، غير أن الشواهد المعلوماتية المتاحة على الإنترنت تشير- مبدئيا- إلى غير ذلك.

وهنا يكون من الضروري، أو يبدو كذلك، استطلاع ما يجري. قبل أن نجد أنفسنا طرفا في مسلسل جديد من أعمال القرصنة أو التهريب أو تصفية الحسابات الإقليمية بالقرب من سواحلنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *