أحمد الدريني يكتب | مخلوق لا يشبهنا

قبل 6 سنوات تقريبًا، كتب بك ميلنوفسكي، أحد مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية BBC، تقريرًا صحفيًا كئيبًا ومدهشًا يصلح مدخلًا لعشرات الظواهر الإنسانية.

قال ميلنوفسكي في تقريره، إنه حلم بأسامة بن لادن في المرة الأولى التي زار فيها نيويورك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكان الحلم الذي وثقه في نهاية العام 2007  يحكي التفاصيل التالية…: «كان بن لادن يجلس على بُعد مقعدين مني في الطائرة، ولم ألحظه في البداية، حيث كان وجهه مختفيًا في العمامة التي يرتديها ولكن الرجل الذي يجلس بجانبي همس في أذني بلطف (أعتقد أن الرجل الذي يجلس بجانبي هو أسامة بن لادن وأنا أشعر بالذعر.«(

ثم يبحث ميلنوفسكي عن آخرين يحلمون ببن لادن في إطار جولاته في أوروبا والولايات المتحدة، فينتهي الأمر إلى أن كابوس أسامة بمثابة حمى في العالم الغربي!

صاحب المطعم يحلم به كأنه نادل لديه، والرجل العادي يحلم ببن لادن يعرض عليه أن يدفع له ثمن مشترواته من السوبر ماركت، وكل شخص يخاف من شيء ما يحلم ببن لادن في تنويعات على أسامة تنتهي كلها بطابع جاثومي شنيع.

يسأل الصحفي الحائر طبيبًا نفسيًا حول هذا الحلم الظاهرة في نهاية لأمر، فيقول له» :بن لادن وفقًا لمصطلحات التحليل النفسي هو الوحش الذي يقترب من القرية، وقد ظللنا لمئات وآلاف السنين نتخيله في صورة النمر الحاد الأسنان أو بمعنى آخر مخلوق لا يشبهنا

وكان لافتًا لي بشدة هذا الاصطلاح الغريب الذي صكّه الطبيب النفسي.. «مخلوق لا يشبهنا».. فهو نفس التعبير تقريبًا الذي يطفو على سطح وعيي حين أفكر في دعوات الإخوان لتعطيل المرور بمسيرات من السيارات المتباطئة، وبتعطيل المركبات فوق الكباري، وبالتسكع في عربات المترو في أوقات الذروة، وبسحب الأرصدة من البنوك.

فكيف يضمن الإخواني أن أباه أو أخاه أو جاره لن يتأخر عن موعد عمل حين يعطل المرور؟ وكيف سيصبح موقفه بينه وبين نفسه حين تقف سيارة إسعاف مشلولة وسط الزحام المفتعل، بينما بداخلها رجل مسن يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ ربما يكون هذا الرجل خال أو عم أحد هؤلاء المعطلين؟ كيف لا يتأثرون، هم وأقاربهم وجيرانهم بكل هذا الإيذاء.. ما لم يكونوا «مخلوق لا يشبهنا»؟!

***

يبدو أن الإخوان قد اقتنعوا أخيرًا أن 30 يونيو كانت خيار شعب، ولم تكن مجرد حشد من عائلات ضباط الشرطة والجيش جنبًا إلى جنب مع البلطجية والأقباط، وكأن كل ضابط أمر زوجته وأخته أن تنزل إلى الشارع وأن تهتف جوار السوابق والمسجلين خطر «يسقط يسقط حكم المرشد»، وكأن كل قبطي جرجر ابنته وأمه ووقف بهما بجانب «سيد سوكة» و«عبده الأبيض» ليهتف الجميع في سميفونية واحدة: «انزل يا سيسي.. مرسي مش رئيسي

فالصدمة التي أطارت صواب الإخوان بحشود 30 يونيو و3 يوليو، دفعتهم لرسم سيناريوهات عبثية تنتهي كلها إلى أن الحشود، منظمة بفعل فاعل، وأنه بولغ في تصويرها عبر تقنيات ما في برنامج الفوتوشوب الرهيب، الذي يقلب الحقائق ويحيل الآلاف إلى ملايين ويسحر أعين الناس ويفرق بين المرء وزوجه ويؤلب العبيد على السادة.

ومع تبدد هذا الاقتناع الذي نسفته وقائع ما بعد 3 يوليو، أفاق الإخوان على حقيقة أن الشعب (القطاع الأعرض منه) يكرههم فعلًا ويرفضهم فعلا، وأن شيئًا في قلب وعقل الجماهير قد تغير وفقًا لوتيرة مذهلة على مدار عام واحد من حكم الجماعة.

وفور التنبه لما جرى، قرر الإخوان عقاب الشعب المصري على ما أثمت يداه، بتطاوله على ساداته من أبناء الجماعة من الجيل القرآني الفريد، خلعًا وحبسًا ومطاردة وضربًا، بينما تحفّظ قطاع منه على «طبيعة» و«معدلات» وقائع القتل التي جرت بحق أبناء الجماعة.

 والانتقام الجاري الآن، وفقًا لما تفتق عنه ذهن الجماعة الربانية، يتمثل في جملة حملات بائسة مُحمّلة بِشَرٍّ طفولي مثير للشفقة.. كلها تحوم حول عكننة الشعب.. فهناك حملة عطّل سيارتك على الكوبري وحملة اتفسح في المترو بجنيه لأجل خلق أي نوع من الزحام.. جنبًا إلى جنب مع حملات سحب الأموال من البنوك وتطويق القاهرة بمسيرات بطيئة من السيارات تصيب العاصمة بشلل كامل.

وإذ تبدو خطط الإخوان وثيقة الصلة بمدرسة القط مشاكس (بطل مسلسل الكارتون كعبول) في العكننة على الشعب نفسه بعد انقضاء فرصة النيل من السلطة (جيشًا أو حكومة)، فإن في هذا التحول الآخذ في التضخم بعد تطوير اقتراحات أبناء الجماعة في «تطهيق» الشعب وعقابه، ما ينذر بأن الإخوان سينتحرون مرة أخرى من برزخهم الأخروي.. بعد انتحارهم السيزيفي الأول.

***

في العام 2010، حين صدر تقرير الحريات الدينية عن الخارجية الأمريكية، أدرج التقرير جماعة الإخوان المسلمين بوصفها إحدى «الطوائف» التي تلقى عنتًا من النظام المصري ويتعرض أعضاؤها للتضييق، مثلهم في ذلك مثل البهائيين والشيعة، وكان أن احتفى الإخوان بالتقرير كعادتهم تجاه أي تناول أمريكي من هذا الطراز لهم ولـ«حالتهم»، وبدا أن الأخطر هو عدم تبرمهم ورفض وصفهم بـ«الطائفة»، بكل ما تنطوي عليه الكلمة من إيماءات وإيحاءات من اختلاف مذهبي أو ديني أو عرقي مع الشعب!

منذ الثالث من يوليو، يتراوح وصف الإخوان لعموم الشعب بين «العبيد» و «لاحسي البيادات»، ويعتقدون أنهم يمكن أن يعيدوا فخامة الأراجوز المعزول بمثل هذا الاحتقار للشعب المصري، وبمثل هذه المعادلة الأخلاقية التي ترى أن المصريين «أدب يوك خرسيس فرسيس»، وبمثل هذه الحرب العبثية التي تشبه مكائد الفسحة المدرسية من طلاب «تالتة تاني» ضد طلاب «تالتة رابع

***

تدافع إلى ذهني عنوة، قصة المراسل بك ميلنوفسكي، بعد عشرات التعليقات التي سمعتها عبر اليوميين الماضيين من سائقي الميكروباصات والتاكسيات في القاهرة حول انسداد الطرق، فكل ازدحام يُعزى سببه للإخوان.. وكل كارثة في الطريق لابد أن وراءها الإخوان.. كل شيء وراءه الإخوان.

الأمر يشبه المشهد العبثي من فيلم «الشيماء».. من هم ألد أعدائنا؟ خزاعة.. من الذي قتل بني الأسود؟ خزاعة.. من قتل سلمى ولؤي؟ خزاعة!

لقد تحول مرادف كلمة «إخوان» لقرين حرفي لكل الشرور التي يمكن أن تتهدد حياتك اليومية.. لقد اختاروا ببساطة أن يقفوا في الضفة الأخرى من حياتنا ومصالحنا.. لقد اختاروا أن يكرهوننا.. لقد تحولوا بالأحرى إلى «مخلوق لا يشبهنا

المصدر : المصري اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *