أيمن الصياد يكتب | غزة .. النقاط العشر

أيمن الصياد يكتب |  غزة .. النقاط العشر

ايمن الصياد

ربما لا جديد فيما يجرى فى «بيتنا» المجاور؛ غزة. فالمحتل هو هو، والمقاوم، ملامحه لم تتغير: «عربية فلسطينية» منذ عبدالقادر الحسينى، وعز الدين القسام، وحتى يحيى عياش وصلاح شحادة وفتحى الشقاقى مرورا بأبو على مصطفى وأبو جهاد وغسان كنفانى وكمال عدوان وليلى خالد ووفاء إدريس ودلال المغربى وآيات الأخرس.. وغيرهم وغيرهن. الملامح هى هى وإن بدت فى تجاعيدها تفاصيل السياسة واليأس.

الجديد فقط أننا، أو بعضنا، أنسته الحسابات الضيقة والمعارك الصغيرة حقائق الماضى وحسابات المستقبل

فهرس

غزة ٢٠١٤

•••

«This is not just a war about rockets from both sides, but it is actually a war about illegal settlements and stolen land».

العبارة السابقة التى آثرت، توثيقا أن أنقلها بلغتها الأصلية، للنائب البريطانى سير نيكولاس سومز Sir Nicholas Soames. وتقول ترجمتها: «إن هذه ليست مجرد حرب صواريخ. بل هى فى الواقع حرب المستوطنات اللاشرعية والأرض المسروقة». وكان النائب المحترم (وهو وزير سابق للدفاع) قد قالها فى جلسة لمجلس العموم (١٤ يوليو ٢٠١٤) وشاركه فيها الرأى نواب آخرون (يمكنكم مشاهدة تسجيل حى لجانب من الجلسة على هذا الرابط).

والحاصل أننى كنت قد شاهدت الجلسة، عندما «هربت» من غث القول فى قنواتنا؛ عامة وخاصة لمتابعة الحدث على قنوات أخرى. وكانت ابنتى التى تدرس فى نيويورك قد حكت لى عن مظاهرات يومية احتجاجا على ما يفعله الاسرائيليون فى غزة، يشارك فيها يهود يحرصون عادة على ارتداء ما يميزهم؛ ربما ليؤكدوا أنهم أيضا مشاركون. فما هو «إنساني»، تتراجع معه كل ما عدا ذلك من حسابات. أوجعتنى ملاحظتها مقارنة مع ما بدا هنا وقد أضلته مشاعر الاستقطاب والكراهية والحسابات الضيقة.

•••

عندما بحثت فى مكتبتى لأستزيد مما قرره القانون الدولى بشأن ما يجرى. صادفت كتابا، ربما كان على هامش ما أبحث عنه. ولكن عنوانه كان كافيا فى دلالته: «من النكبة إلى غزة.. هو لا يزال احتلالا». وهو من إصدارات «دار العين للنشر» ومن إعداد وترجمة الباحث النابه نائل الطوخى. ويقوم على ترجمة كتابات لكتاب وأدباء وشعراء إسرائيليين، أهمهم المؤرخ الاسرائيلى البارز والمثير للجدل «إيلان بابيه» Ilan Pappé أحد أعمدة جماعة «المؤرخين الجدد» التى بدأت قبل سنوات فى سرد الرواية الحقيقية لما جرى فى الأربعينيات (وقبلها) من القرن الماضى. وهى الروايات التى تدحض بالأدلة والوثائق، ما روجه الصهاينة على مدى عقود، ووجد طريقه للأسف إلى ألسنة وأقلام بعض من إعلاميينا فى هذه الأيام من قبيل أن الفلسطينيين باعوا أرضهم.

اشتهر إيلان بابيه بكتابه المؤسس «التطهير العرقى لفلسطين» The Ethnic Cleansing of Palestine الصادر سنة ٢٠٠٦ والذى يقوم على معلومات وبيانات مستقاة من الإرشيف الوطنى الإسرائيلى وإرشيف الجيش الإسرائيلى. بالإضافة إلى يوميات «الأباء المؤسسين» من أعضاء الحركة الصهيونية مثل بن جوريون.

إيلان بابيه الذى ولد فى الخمسينيات من القرن الماضى لأبوين يهوديين من أصول ألمانية كانا قد هربا إلى إسرائيل من الملاحقة النازية لليهود خلال ثلاثينيات القرن العشرين. يحكى فى كتابه كيف مارس اليهود فى فلسطين أفعال النازيين أنفسهم. وكيف دمروا القرى، وسمموا الآبار، وسرقوا الممتلكات، وزيفوا التاريخ.

لن تسمح هذه المساحة بالطبع بتلخيص الكتاب المؤلم (٣٢٠ صفحة) والذى لم يعرف به بالطبع أولئك المزيفون للوعى الجمعى لأجيالنا القادمة على شاشات التليفزيون كل مساء. كما لعلهم لا يعترفون للأسف «بالإيجاز» الذى اختاره نائل الطوخى عنوانا لكتابه الذى كان قد صدر بمناسبة الحرب على غزة ٢٠٠٨-٢٠٠٩ «.. هو لا يزال احتلالا».

فهر2س

التهجير القسري الأول ١٩٤٨

•••

أخشى أن بعضنا «هنا وهناك»، ليس بحاجة فقط إلى أن يستمع إلى النائب البريطانى، أو إلى الاطلاع على كتابات إسرائيلية «منصفة»، بل لعله بحاجة أيضا إلى التذكير ببدهيات كنا قد أشرنا إلى شيء منها مرارا وتكرارا. ولعلى أحاول هنا أن أجملها فى نقاط عشر:

١ ــ إن غزة بحكم الجغرافيا والتاريخ وروابط الثقافة والدم بوابة مصر الشرقية والعمق الاستراتيجى لأمنها القومى. ثم.. أكرر؛ ثانية وألفا: أن حماس (أجرمت أو أحسنت) ليست غزة. وغزة ليست فلسطين. وأن المعايير الجيوستراتيجية للأمن القومى لا تتغير هكذا بين يوم وليلة.

٢ــ إن اسرائيل «المحتلة» هى «الجيش» الذى خاض معه الجيش المصرى خمس حروب، وأن سيناء مازالت ناقصة السيادة بسبب قيود وضعها الطرف «الاسرائيلى» ومازال يتمسك بها حتى الآن. وأن تحت رمالها الطاهرة رفات ٢٥٠ أسيرا مصريا «أعزل» قامت الفرقة العسكرية الإسرائيلية «روح شاكيد» بقتلهم بل ودفن بعضهم أحياء (كما تقول الرواية الإسرائيلية ذاتها).

٣ــ إن إسرائيل «تلك» هى المستفيد الوحيد من القضاء على «المقاومة». وبحسابات الأمن القومى «المصرى» الحقيقية، فإن مزيدا من الاختلال فى ميزان القوى الإقليمى لصالح إسرائيل «تلك» لن يكون طبعا فى صالح مصر لا على المدى القصير ولا البعيد.

٤ــ حسب قواعد القانون الدولى، فالقوات الاسرائيلية «قوات احتلال». وحق الشعوب فى مقاومة المحتل «بأى وسيلة كانت»، حق لا يقبل المناقشة. وكل شعوب العالم تقريبا عرفته، من الفرنسيين وغيرهم الذين قاوموا النازى، إلى المصريين أنفسهم الذين قاوموا الإنجليز يوما. وقاموا بعمليات «فدائية» خلف صفوف المحتل الإسرائيلى فى سيناء يوما آخر. باختصار هذه ليست حربا بين دولة غزة ودولة إسرائيل. هذه حرب بين حركة تحرر وطنى ودولة الاحتلال.

٥ــ إن كل ما يطلبه الفلسطينيون لإنهاء المعركة هو فك الحصار الخانق الذى طال لما يقرب من عقد من الزمان، والذى يحول غزة إلى سجن كبير (والوصف لجيمى كارتر الرئيس الأمريكى الأسبق لا غيره) وهو الوضع الذى يحول الحياة اليومية للفلسطينيين هناك إلى قطعة من جحيم.

٦ــ إن الواقع اليائس الذى لا أفق له يوفر بالضرورة التربة الأكثر ملاءمة للعنف والتطرف. حيث يتزايد الشعور بأنه لم يبق غيره سبيلا للحياة، مجرد الحياة. ناهيك عن الكرامة والإنسانية. وهو الوضع الذى، مع الوقت سيدفع ثمنه «الجميع». أكرر: «الجميع». وأن حسابات الأمن القومى «الواعية» ينبغى أن تضع ذلك رقما فى المعادلة.

٧ ــ على أولئك الذين ما زالوا أسرى «ما كان» أن يدركوا حقيقة أن «لا فارق يذكر» بين المبادرة المصرية الأخيرة، وبين تلك (نوفمبر ٢٠١٢) والتى تمت على يد الدكتور مرسى وبرعاية هيلارى كلينتون (قبل ساعات من الإعلان الدستورى / الأزمة، وربما مهدت إليه). إلا أن على الجانب الآخر أيضا أن يدرك أن قواعد الدبلوماسية تعرف أنها لا تتحرك فى الفراغ. وأن للوساطة أحكامها. وأن العلاقات الرسمية المصرية الغزاوية لا يمكن مقارنتها بين التاريخين.

٨ ــ إنه وفضلا عن أن القصة بدأت فى الخليل (أى فى الضفة)، وبغض النظر عن موازين معروفة للقوى داخل القطاع، فإن الواقع يقول إن صواريخ الأباتشى وقذائف الإف ١٦ لا تفرق على الأرض بين أعلام خضراء أو صفراء. أو بين صاحب لحية أو حليقها. وأن الواقع الميدانى يقول إن كل فصائل المقاومة قد صارت فى أتون المعركة: حركة حماس، الجهاد الإسلامى، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب شهداء الأقصى..وغيرها. ثم إن علينا «جميعا». وليس على الإخوة فى غزة ورام الله فقط أن نعض على المصالحة الوطنية بالنواجز، وألا يزايد أحد الأطراف على الآخر (بما ضحى أو أهدر) من دماء. وألا يظن بعضهم «أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا» وحدهم. فنجد أنفسنا وقد عدنا بالفعل إلى المربع صفر. ونكون بحق قد أهدرنا ما كان من دماء وتضحيات. ويتصل بهذا حقيقة أن أسلوب طرح المبادرات وأسلوب التعاطى معها يمكن له أن يعزز الوحدة الوطنية بما ينهى الانقسام، أو أن يكرس هذا الانقسام، بما لذلك من تبعات. ينبغى علينا جميعا أن ننتبه إلى حقيقة أن الحرب هى على الشعب الفلسطينى، وليست مع غزة. وألا ننسى أن بداية القصة كانت فى الخليل، لا فى خان يونس.

٩ ــ علينا أن ندرك أن حسابات المستقبل، ومعادلات «أمننا القومى»، بحكم التعريف والمنطق لابد وأن تظل بعيدا عن خلافاتنا الداخلية الآنية. وأن على الجميع؛ على هذا الجانب من الحدود أو ذاك، إن فى القاهرة أو غزة أو رام الله؛ مناصرين للإخوان المسلمين أو مناوئين لهم أن يدرك ذلك جيدا. مهما كانت مراراته، ومهما ضللته حسابات اللحظة «الراهنة» أو أعماه غبارها.

١٠ــ ثم يبقى على الجميع؛ فى الداخل أو فى الجوار. فى هذه العاصمة أو تلك؛ متربصة أو متحفزة أن نسمو فوق مشاعرنا الآنية أو «الأنانية». وأن نتواجد «تعاونا، لا تنافسا» وأن ندرك أن هناك فى التاريخ لحظات تحتاج رجالا عرفناهم فى سبتمبر / أيلول ١٩٧٠.. أتذكرون.

•••

وبعد..

فقد كنت قد كتبت فى الموضوع الأحد الماضى، وكنت أظن أن لا حاجة للعودة إليه، فلا جديد هناك. ولكن بعد ان انتقلت الحرب من الأرض إلى شاشات تليفزيون «الأشقاء» لتصبح أشد قسوة من قنابل «الفوسفور الأبيض»، وبعد أن بدا أن البعض «هنا وهناك» قد تاهت منه البوصلة، واكتفى بالنظر تحت أقدامه، وجب التذكير.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *