ابراهيم عبدالعزيز سعودي يكتب | حق المجني عليه في ابداء الدفاع والمناقشة أمام المحكمة الجنائية (قراءة في نصوص قانونية مهملة 3)

ابراهيم عبدالعزيز سعودي يكتب|

  (قراءة في نصوص قانونية مهملة 3)

حق المجني عليه في ابداء الدفاع والمناقشة أمام المحكمة الجنائية

ابراهيم-سعودي-2

” بعد سماع شهادة شهود الإثبات وشهود النفي، يجوز للنيابة العامة وللمتهم ولكل من باقي الخصوم في الدعوى أن يتكلم . وفي كل الأحوال يكون المتهم آخر من يتكلم ” .                ( م 275 / 1 إجراءات جنائية )

لعله من الأخطاء الجسيمة التي درجت عليها المحاكم الجنائية في مصر ـ يستوي في ذلك محاكم الجنايات أو الجنح بدرجتيها ـ منع المجني عليه الذي لم يدع مدنيا في الدعوى ( أو وكيله ) من ابداء الدفاع والدفوع والرد على حجج الخصوم وتفنيدها ، حيث جرى العمل بسلب هذا الحق فيما اعتاد عليه قضاة المنصة الجنائية بأن من لم يدع مدنيا فلا يجوز له الحديث ولا حق له سوى الحضور لمراقبة سير الجلسة ( حضرتك ما ادعتش مدني يبقى تحضر لكن ملكش كلام عندي ) ، وهو قول فضلًا عن أنه يجافي الحقيقة القانونية المقررة بنصوص صريحة وقاطعة فإنه يهدم واحدًا من أهم المبادئ التي تقوم عليها أصول المحاكمات الجنائية ، ألا وهو مبدأ المواجهة بين الخصوم الذي يقتضي أن تعرض ادعاءات وحجج و دفوع ودفاع كل طرف على الطرف الأخر وفي مواجهته ، وأن يتمكن كل طرف من مناقشة ما قدم ضده والرد عليه وتفنيده .

وهذا المبدأ هو تأكيد لاحترام حقوق الدفاع لكافة أطراف الخصومة لأنه لو جاز للقاضي أن يحكم في ضوء ما استمع اليه من أحد الطرفين فقط وأدلته فإن  حكمه غير عادل حتى وإن أصاب الحق لأنه نزع من أحد الطرفين حق الاطمئنان الى العدالة لأن الإخلال بحقوق الدفاع يفسد جوهر العدالة حتى وان أصابت الحق .

ولا يمكن التحدي في ذلك بالحجة الشائعة الواهية بأن النيابة العامة تمثل المجني عليه ، ذلك لما هو معلوم للكافة من شكلية دور النيابة العامة في غالب الأمر أمام المحاكم الجنائية ومن النادر أن يدري وكيل النائب العام الحاضر بالجلسة شيئًا عن الدعوى ، فضلا عن أن عمومية الدعوى الجنائية لا تغني عن خصوصية الجريمة بالنسبة للمجني عليه .

ولعل القراءة الواعية لنصوص المواد من 268 وحتى 276 المنظمة لاجراءات وأصول المرافعة والحضور أمام محاكم الجنح وهي نفسها ذات الاجراءات الواجب اتباعها أمام محكمة الجنايات عملا بنص المادة 281/1 إجراءات جنائية الذي قرر بأن يتبع أمام محاكم الجنايات جميع الأحكام المقررة في الجنح والمخالفات ، ما لم ينص على خلاف ذلك . تكشف أن هذه النصوص المشار اليها والتي نوردها في نهاية المقال قد حددت على سبيل القطع الخصوم في الدعوى الجنائية بأنهم النيابة العامة ، والمتهم ، والمجني عليه ، والمدعي بالحقوق المدنية ، والمسئول عن الحقوق المدنية ، وقررت المادة 275 من قانون الاجراءات الجنائية ـ محل الحديث ـ في وضوح لا لبس فيه حق هؤلاء الخصوم جميعا في سماع المحكمة الجنائية لأقوالهم شريطة أن يكون المتهم هو آخر من يتكلم ، بل ووضعت حق المجني عليه في الكلام سابقا لحق المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها . بل وجاءت النصوص السابقة على هذا النص لتمنح المجني عليه أو وكيله بطبيعة الحال ليس فقط حق التكلم وانما جاوزت ذلك بأن منحته حق مناقشة الشهود واستجوابهم بقدر مساو لحق النيابة العامة في ذلك وباقي الخصوم على نحو ما نظمته المادتين 271 ، 272  .

ولعل ما شجع المحاكم الجنائية على التمادي في هذا الخطأ الجسيم هو سكوت المحامين عن هذا الحق وصمتهم الطويل عليه حتى بدا الخطأ الشائع بمنع المجني عليه أو وكيله من الكلام من قبيل الثقافة الشفاهية المتوارثة والمتداولة كما لو كانت حقًا وهي عين الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا .

الأمر الذي نؤكد معه مجددا ما نكرره في كل مقال من هذه السلسلة بوجوب أن يتمسك المحامون بحقوقهم التي علاها النسيان وران عليها الاهمال في نصوص لو منحت حظها من الاعمال لكانت كفيلة بإصلاح الكثير من الخلل الذي أصاب بنيان العدالة .

وتتمة للقول نورد النصوص التي جرت الإشارة اليها سلفا في سياق هذا المقال .

” يبدأ التحقيق في الجلسة بالمناداة على الخصوم والشهود، ويسأل المتهم عن اسمه ولقبه وسنه وصناعته ومحل إقامته ومولده، وتتلى التهمة الموجهة إليه بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور على حسب الأحوال، ثم تقدم النيابة والمدعي بالحقوق المدنية إن وجد طلباتهما .
وبعد ذلك يسأل المتهم عما إذا كان معترفاً بارتكاب الفعل المسند إليه، فإن اعترف جاز للمحكمة الاكتفاء باعترافه والحكم عليه بغير سماع الشهود، وإلا فتسمع شهادة شهود الإثبات، ويكون توجيه الأسئلة للشهود من النيابة العامة أولاً، ثم من المجني عليه، ثم من المدعي بالحقوق المدنية، ثم من المتهم، ثم من المسئول عن الحقوق المدنية.
وللنيابة العامة وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية أن يستجوبوا الشهود المذكورين مرة ثانية لإيضاح الوقائع التي أدوا الشهادة عنها في أجوبتهم ” .                                                 ( م 271 إجراءات جنائية )
” بعد سماع شهادة شهود الإثبات يسمع شهود النفي ويسألون بمعرفة المتهم أولاً، ثم بمعرفة المسئول عن الحقوق المدنية، ثم بمعرفة النيابة العامة، ثم بمعرفة المجني عليه، ثم بمعرفة المدعي بالحقوق المدنية وللمتهم والمسئول عن الحقوق المدنية أن يوجها للشهود المذكورين أسئلة مرة ثانية لإيضاح الوقائع التي أدوا الشهادة عنها في أجوبتهم عن الأسئلة التي وجهت إليهم .
ولكل من الخصوم أن يطلب إعادة سماع الشهود المذكورين لإيضاح أو تحقيق الوقائع التي أدوا شهادتهم عنها، أو أن يطلب سماع شهود غيرهم لهذا الغرض ” .                                               ( م 272 إجراءات جنائية )

( الوعي هو الحل )

طالع أيضا في هذه السلسلة :

قراءة في نصوص قانونية مهملة (2) | أثر الحضور قبل انتهاء الجلسة

قراءة في نصوص قانونية مهملة (1) | النطق العلني للأحكام

للتواصل مع الكاتب عبر حسابه على فيس بوك

https://www.facebook.com/ibseoudi

وعبر صفحته الشخصية على فيس بوك

https://www.facebook.com/ibrahem.seoudi?ref=hl

و عبر حسابه على تويتر

https://twitter.com/ibseoudi

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *