مجموعة سعودي القانونية

عمروخفاجى يكتب | تحديات الديمقراطية

عمروخفاجى يكتب | تحديات الديمقراطية

عمرو-خفاجى

أى متابع منصف لحالة الانتخابات الرئاسية المصرية، يكتشف بسهولة حجم التطور المذهل الذى دخل على العملية الإجرائية التى تبدلت تماما، من عملية تحكمها قوانين جائرة تترك مساحات هائلة للتزوير وفساد العملية برمتها، إلى عملية تحكمها قواعد صارمة تضيق فعلا على أى محاولات للتزوير والتلاعب، يظهر هذا واضحا فى غالبية التفاصيل، من إشراف لجنة محايدة بدلا من وزارة الداخلية، وأيضا ضبط قاعدة بيانات الناخبين التى كانت تسمح للأموات بالتصويت، هذا إلى جانب الترحيب غير المسبوق بعمليات الرقابة الواسعة على مجريات العملية الانتخابية، سواء من منظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية، أو من خلال وسائل الإعلام وحتى داخل لجان التصويت ذاتها، وكل ذلك لم يتحقق فجأة بعد ثورة يناير كما يعتقد البعض، وإنما كما يقول المناضل اليسارى الأستاذ عبدالغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، تحقق عبر أكثر من ٣٨ عاما، أى منذ العام ١٩٧٦، وأن ذلك كان عبر نضالات متعددة دفعت ثمنها رموز الحركة الوطنية خلال كل هذه السنوات، ووفقا لما قاله الرجل باعتباره نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى شارك فى المتابعة والرقابة، أن ما حدث فى انتخابات رئاسة ٢٠١٤، كان شفافا ونزيها، ربما لم يكن مثاليا، لكن الملاحظات لم تكن خشنة ولم تؤثر بعض الخروقات على نتائج الانتخابات، إلا أنه أكد أيضا، مثل عدة منظمات دولية، على أن البيئة السياسية للعملية الانتخابية، لم تكن جيدة، ولم تمكن قوى المعارضة من القيام بالتعبير عن رأيها وممارسة دورها كما ينبغى.

ورغم ذلك، علينا أن ندرك جيدا، أن الشفافية والنزاهة، ليستا جل العملية الديمقراطية، كما أنهما ليستا جوهرها، وأعتقد أن هناك اتفاقا عاما بين القوى السياسية المختلفة على ذلك، خصوصا فى ظل تضييقات أخرى فى قوانين مهمة ومؤثرة مثل قانون الانتخابات البرلمانية، والذى من المتوقع صدوره قبل تسليم البلاد للمرشح الفائز، لا يمكن أن يكون معبرا بدقة عن التوجهات السياسية الحقيقية للناخبين، كما أنه لا يمكن غير القادرين من الوصول للبرلمان، وبذلك تغيب أصوات وطبقات متعددة عن التمثيل النيابى، وفى نفس الوقت لا يمكن الأحزاب من التواجد الفعلى فى الحياة السياسية، بما يعوق أى تقدم ديمقراطى حقيقى فى البلاد، أيا كان إخلاص الإرادة السياسية للنظام الذى يحكم.

فى ذات الوقت، سيطر القلق على كل المتابعين للحقوق والحريات العامة، التى لم تتحسن بذات القدر الذى تحسنت به القوانين والتشريعات الحاكمة للعملية الانتخابية، وهو ما يؤكد، على سبيل المثال، تراجع تطور حماية حقوق الإنسان، والذى زادت ملاحظاته بشكل كبير فى الفترة الأخيرة، صحيح أن هناك مناخا عاما لا يساعد على ذلك، خصوصا فيما يتعلق باستمرار العمليات الإرهابية، إلا أن ذلك لا يعنى أبدا التفريط فى أى مكتسبات متعلقة بهذا الشأن، وأتصور أن الحقوق والحريات العامة هى التحدى الحقيقى للرئيس القادم، لأن وضعها العام صار مقلقا بالفعل، خصوصا بين أوساط الشباب، وأن التعجيل بالعملية الديمقراطية، ضرورة تنموية واقتصادية قبل أن تكون ضرورة حضارية وسياسية، ولا يمكن أبدا الاستسلام لفكرة أنه مازال أمامنا سنوات طويلة لتحقيق الديمقراطية التى ننشدها، أو أنها مجرد أوهام، فكما عرفنا طريق الانتخابات النزيهة والشفافة، يمكن أن نعرف أيضا الحفاظ على حقوق الإنسان بمفهومها الواسع، خصوصا أن دستورنا الجديد ينص على ذلك بصراحة وصرامة.