بجانب رفض كارثة «المعارضة من الخارج»، تحتاج الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات فى مصر إلى أجندة للعمل/ للفعل واضحة المرتكزات والمعالم. فقد تفرقت السبل بالأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية منذ فبراير ٢٠١١، بين مشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات ومقاطعة لها، بين تفضيل العمل من داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية لإنجاز التحول الديمقراطى وبين انحياز للحراك الثورى والاحتجاجى، بين المطالبة بالعدالة الانتقالية وبين تقديم أولويات أخرى عليها، بين رفض إقصاء عناصر نخب نظام ما قبل ثورة يناير ٢٠١١ طالما لم تتورط فى الاستبداد والانتهاكات والفساد وبين خطأ تعميم الإقصاء كأداة للعقاب الجماعى على نحو يتناقض مع مبادئ وقيم الديمقراطية (وللأسف، وكما سجلت من قبل، انزلقت إلى هذا بالمشاركة فى تمرير قانون العزل السياسى فى مجلس شعب ٢٠١٢، وهو ما راجعت نفسى بصدده واعتذرت عنه بعد ذلك بفترة وجيزة).
اليوم، تتفرق السبل مجددا بالأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية على ذات المحاور والمستويات، المشاركة أم المقاطعة، العمل داخل المؤسسة التشريعية (إن تحقق بعض النجاح فى الانتخابات البرلمانية) والمجالس المحلية (حين تأتى) أم الفعل الاحتجاجى خارجها، المطالبة بمنظومة متكاملة للعدالة الانتقالية وبمحاسبة كل المتورطين فى انتهاكات الحقوق والحريات والفساد أم الصمت عن الانتهاكات وتقديم أولويات أخرى، الدفاع عن مشاركة جميع القوى السياسية باستثناء تلك التى يثبت عليها التورط فى الإرهاب/ العنف/ مناهضة المبادئ الديمقراطية أم قبول الإقصاء كعقاب جماعى لبعض حركات اليمين الدينى كالإخوان المسلمين وغيرهم.
المطلوب الآن من الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية، بجانب رفض شرك المعارضة من الخارج، تجاوز فرقتها وصياغة أجندة للعمل/ للفعل تمزج بين المشاركة والعمل داخل المؤسسات التشريعية والمحلية وبين حراك احتجاجى سلمى لا يضع المشاركين به لا فى مواجهة خاسرة مع الرأى العام ولا مع معية أخطار فقدان الحياة أو الحرية أو القدرة على العمل. المطلوب الآن هو أجندة للعمل/ للفعل تجمع بين مطالب الحقوق والحريات الشخصية والمدنية والسياسية وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بين الدفاع عن سيادة القانون وتداول السلطة والعدالة الانتقالية التى تحاسب المتورطين فى الانتهاكات وتمنع تكررها وتجبر الضرر وبين الاقتراب اليومى من المواطن بالعمل التنموى والتنشيط الاقتصادى والاجتماعى وبمبادرات لتطوير الخدمات الأساسية ولتحديث المؤسسات العامة والخاصة عبر الالتزام بقواعد الحيادية/ المنافسة العادلة/ تكافؤ الفرص/ التمكين وحماية الضعفاء والمهمشين. المطلوب الآن هو أجندة للعمل/ للفعل لا تنزلق لا إلى الاستعلاء على إرادة الناس ولا إلى مهادنة منظومة الحكم/ السلطة إن استمرت اختياراتها غير الديمقراطية، بل تنطلق بجدية من كون البناء الديمقراطى (أيضا بعد الثورات ومع الحراك الاحتجاجى) يستلزم بجانب الكثير من الجهد المنظم والجماعى البحث المستمر عن كل السبل الممكنة لإقناع قطاعات شعبية مؤثرة بإمكانية تحقيق الديمقراطية مع الاستقرار والأمن والتنمية، وعن كل المساحات الممكنة للانتصار للحقوق وللحريات وللتنمية المستدامة وللعدالة الاجتماعية وللتقدم داخل المؤسسات وخارجها.
المطلوب الآن هو أجندة للعمل/ للفعل تستند إلى السلمية والتزام المبادئ والقيم الديمقراطية كأسس للمشاركة وللدمج فى الشأن العام، وترفض الإقصاء والعقاب الجماعى كما ترفض مشاركة المتورطين فى العنف أو من يوظفون الدين/ الطائفية/ المذهبية لتحقيق المكاسب الانتخابية والسياسية. المطلوب الآن هو أجندة للعمل/ للفعل لا تختزل دور الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية فى تسجيل «المواقف المبدئية»، ولا فى أسئلة «السبق» التقليدية (فلم يعد مهما أن نحصل على إجابات قاطعة بشأن هوية من سبقوا إلى الدفاع عن الحقوق والحريات حين بدأت الهجمة الشرسة الراهنة وتحملوا وطأتها)، ولا تفقد الأمل فى مخاطبة الوعى والضمير الجمعى للمصريات وللمصريين واستصراخ إنسانيتهم أن ترفض الظلم والقهر والقمع والانتهاكات وتجبر الضرر عن الضحايا.