عمرو حمزاوى يكتب | المجتمع المبتعد!
تستقر الأوطان بدول عادلة تحترم حكم القانون وتداول الحكم ومبادئ المواطنة وضمانات الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتتقدم الأوطان بالمجتمعات المسالمة والمتسامحة التى تطلق طاقات وفعاليات المبادرة الشخصية والعمل التطوعى. فبعيدا عن المجتمع، ليس لمؤسسات الدولة وأجهزتها وإن اتسمت بالعدل أن تنجز آمال الاستقرار الحقيقى. أما حين يغيب العدل ويتعرض حكم القانون لمحن متعاقبة، فإن احتياج الدولة لطاقات وفعاليات المجتمع ﻹدارة الأزمات وتجاوز العثرات واحتواء التحديات فى سبيل شيء من الاستقرار والتقدم يصبح ضرورة وجود وبقاء.
أسجل هذا ناظرا إلى سيناء التى تواجه بها مؤسسات وأجهزة الدولة خطر الإرهاب وتوظف بها الأدوات العسكرية والأمنية وإجراءات قسرية بغية القضاء على التنظيمات الإرهابية، وتعد أيضا بالشروع الفورى فى تعويض السكان الذين طبقت عليهم الإجراءات القسرية وفى رفع المظالم عنهم وفى تنفيذ خطط تنموية وأفكار للتطوير الاقتصادى والاجتماعى. ففى سيناء، تستطيع الدولة المستنفرة إمكاناتها وقدراتها إلى حدود قصوى فى سياق مواجهة الإرهاب أن تشرك معها طاقات وفعاليات المجتمع فى الاضطلاع بالعمل التطوعى.
للكثير من منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية المصرية خبرات متميزة فى مجالات الحوار البناء مع قطاعات سكانية فى مناطق الأزمات وبناء التوافق بينها وبين مؤسسات وأجهزة الدولة من خلال صياغة المطالب والتعبير عن المخاوف والمصالح ومن خلال تداول المعلومات والحقائق عن دوافع الإجراءات القسرية ــ وسيناء فى أمس احتياج لمثل هذا الحوار بين أهلها والدولة مع إجراءات الإخلاء / التهجير التى تنفذ اليوم. للكثير من التجمعات الطلابية والشبابية فى المناطق الحضرية والريفية اهتمام أصيل بالعمل التطوعى، ولديهم رغبة حقيقية فى الإسهام الفعال فى تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية فى سيناء، أن يصنعوا المعجزات فى مجالات كمحو الأمية والخدمات التعليمية والرعاية الصحية والجهود التضامنية مع أهل سيناء. للكثير من الشركات والمصالح الصناعية والمالية والتجارية والاستثمارية الخاصة مبادرات فى سياق «المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص»، ولهم من القدرات البشرية والتنظيمية ما يقدرون على توظيفه فى مجالات تنموية مختلفة فى سيناء. وكذلك تتسع دوائر طاقات وفعاليات المجتمع باتجاه التنظيمات النقابية والمهنية والمؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية والفنية والدينية، ويمكنها جميعا الإسهام فى تخليص سيناء من شرور الإرهاب.
يستطيع المجتمع المصرى أن يشارك الدولة بفاعلية مهام الاضطلاع بالجهد التنموى والعمل على تحسين ظروف أهل سيناء المعيشية. إلا أن مؤسسات وأجهزة الدولة عليها أن تدرك التداعيات الكارثية لدخولها فى صراعات مستمرة مع المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، ومع التجمعات الطلابية والشبابية التى يمارس ضدها القمع ويضيق عليها فى الجامعات وتهجر من المجال العام وينزل ببعض أعضائها (من المعلومين وغير المعلومين للرأى العام) العقاب، ومع بعض دوائر القطاع الخاص (المصالح الصغيرة والمتوسطة البعيدة عن حماية الحكم / السلطة) التى تخشى من غياب الشفافية ومحنة القانون، ومع التنظيمات النقابية والمهنية التى تدفع إلى زمن ما قبل يناير 2011، مع أصوات الدفاع عن الديمقراطية التى تتخوف من التضحية بالحقوق والحريات فى سياق مواجهة الإرهاب. قطاعات وفعاليات المجتمع هذه تبتعد كل يوم جديد بخطوات متسارعة عن الدولة، ولا تسعى إلا إلى الابتعاد عن قيودها وضغوطها واتقاء شر قمعها، وهى بذلك تجرد من قدرتها على الإسهام فى العمل التطوعى والجهد التنموى فى سيناء وفى مناطق أخرى ويحال بينها وبين ترجمة التضامن الشعبى الواسع فى مواجهة الإرهاب إلى آليات محددة ومستدامة.