محمد فتحى يكتب|يعنى إيه إعلامى محترم؟

محمد-فتحي

لا أملك إجابة.. لكن أملك تحربة تستحق أن أطلعكم عليها.

التجربة لكرونكايت.. والتر كرونكايت.

بدأ «والتر» عمله كصحفى فى الثلاثينات من القرن الماضى.

كان يدرك معنى كلمة صحفى ولم تكن هناك تليفونات محمولة للمصادر يلاحقهم عبرها، بل كانت هناك حرب هى الحرب العالمية الثانية، التى أتيح لكرونكايت أن يشهدها كصحفى ومراسل لوكالة «يونايتد برس».. بل ويكون مع القوات الأمريكية فى عملية الإنزال الشهيرة نورماندى..

ومع مرور الوقت كان «كرونكايت» يثبت قدميه شيئاً فشيئاً فى المهنة التى لم تكن تعرف التصنيفات، بل كان المعيار الوحيد فيها هو «صحفى محترم ومهنى» فى مواجهة صحفى غير محترم وغير مهنى، ولم يكن هناك من يطلقون على كل من هب ودب «إعلامى»، سواء كان هذا الإعلامى صحفياً متواضع الموهبة، أو ضيفاً لزجاً تفرضه علينا البرامج، أو مذيعة محدودة الذكاء أو خليطاً من كل هؤلاء؛ لذلك ظل كرونكايت صحفياً حتى وهو يبدأ فى تقديم نشرة الأخبار الرئيسية فى قناة «سى بى إس» الأمريكية ذائعة الصيت.

كان الخبر الذى يذيعه كرونكايت هو الخبر الحقيقى.. الصحيح.. الموثوق به، وفيما عداه لم يكن أحد يصدق، وتظل نسبة الشك موجودة لدرجة أن كرونكايت أصبح يلقَّب بالرجل الأكثر ثقة فى أمريكا.. الرجل الذى ما إن تسمع الخبر منه حتى تثق به.

ستظنون فى الأمر مبالغات، لكنى سأبرز لكم ما قاله الرئيس الأمريكى ليندون جونسون، الذى أكد أن قواته لو دمرت فيتنام عن بكرة أبيها وأذاع والتر كرونكايت خلاف ذلك فسيصدق ما قاله كرونكايت وليس قادته!!

كان كرونكايت من المعارضين بشراسة للحرب فى فيتنام، ولعله أحد من أطلق على فيتنام «المستنقع الذى تورطت فيه أمريكا»، وقال بعد أن عاد من تغطية الأحداث التى تلت معركة تيت عام 1968، قال الصحفى العائد إلى نيويورك إنه «أكثر ثقة من أى وقت بأن المغامرة الدامية فى فيتنام ستنتهى بنا إلى الغرق فى المستنقع».

ووقتها نسب مقربون من الرئيس جونسون قوله: «انتهى الأمر، ما دمت قد خسرت كرونكايت فقد خسرت الرأى العام الأمريكى». ثم أعلن عدوله عن الترشح لولاية تالية.

عاصر كرونكايت العديد من الأحداث المهمة..

أذاع خبر اغتيال كينيدى.. خبر الهبوط على سطح القمر.. بناء سور الصين العظيم، فضيحة ووترجيت، وفى عام 1972 اختير فى أحد الاستفتاءات كأكثر شخص يثق الأمريكيون به، وهو اللقب الذى ظل محتفظاً به طوال عمره ولم يجرده أحد منه، ولا أسهمت مواقفه السياسية أو الإنسانية فى جعل الناس تنقلب عليه ولو للحظة واحدة، بل زاد احترامهم له واعتبروه عميداً للصحافة الأمريكية.

ظل كرونكايت الأكثر ثقة يقدم نشرات الأخبار، وأصبح رئيساً لتحرير النشرات الإخبارية فى «سى بى إس» حتى مطلع الثمانينات، ثم قرر الاعتزال، لكنه ظل محتفظاً بلقب الرجل الأكثر ثقة فى العالم.

فى 2009 مات كرونكايت عن عمر يناهز 92 عاماً إثر مرض فى المخ.

خرجت «واشنطن بوست» بعنوان رئيسى هو «موت الثقة».

كتبت مجلة «تايم»: «إن ارتباط الثقة باسم هذا الرجل يجعلنا ندفنها معه».

خرج أوباما لينعى كرونكايت فقال: «كان والتر كرونكايت الصوت الأكثر ثقة فى أمريكا، كان دائماً أكثر من مجرد مذيع، كان شخصاً يمكننا أن نثق به لكى يوجهنا خلال أهم قضايا العصر، صوت يقين فى عالم متقلب، كان كأحد أفراد العائلة، فقد دعانا كى نثق به ولم يخذلنا مطلقاً، فقد هذا البلد رمزاً وصديقاً عزيزاً وسنفتقده حقاً».

السؤال الآن لك عزيزى القارئ: هل لدينا «كرونكايت» فى مصر؟

(المقال ينشر للمرة الثانية، ولا يزال البحث جارياً)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *