محمد فتحى يكتب | المبدأ والمصلحة

محمد فتحى يكتب | المبدأ والمصلحة

محمد-فتحي

كالمعتاد.. هناك أصحاب مبادئ، وهناك أصحاب مصالح، يسعى صاحب المبدأ لتطبيق مبدئه مهما تغيَّرت الظروف، ويسعى صاحب المصلحة لتحقيقها مهما كلفه الأمر.

صاحب المبدأ مثالى جداً، يطمح لتحقيق كل ما يتفق مع مبادئه، وصاحب المصلحة واقعى جداً، وعملى جداً جداً، واللى يغلب به يلعب به.

صاحب المبدأ من الصعب تغيير موقفه، وصاحب المصلحة جاهز لتغيير هذه المواقف بناء على متغيرات الأحداث والحوادث.

أصحاب المبدأ جاهزون دائماً للتصادم مع الجميع فى اشتباك مباشر أشبه بجنود المشاة، وفرق الكوماندوز، بينما أصحاب المصالح يحبون اللعب من خلف الكواليس، ولا يلجأون فى مواجهاتهم إلا للتشويه والتشهير والتخوين، فالمهم أن تتحقق مصالحهم.

أصحاب المبدأ ليست لهم جماهيرية ولا شعبية فى بلد يحب فيه الجميع مصلحته، ويؤمن بالمثل القائل: «مفيش حد صالح.. كله بتاع مصالح»، بينما أصحاب المصالح يكتسحون فى الشعبية لعدة أسباب، ليس منها الأمية والجهل كما يريد أصحاب المبادئ تصوير الأمر، وإنما بسبب أن أصحاب المبادئ دائماً يخطئون فى حسابات الواقع، وبدلاً من أن تكون هناك وجوه محترمة فى صدارة المشهد يبرز من أصحاب المبادئ طائفة تفسد كل شىء بأسلوبها أو بأخطائها التى يستفيد منها أصحاب المصالح، الذين يُجيدون تصوير أصحاب المبادئ على أنهم عديمو الفائدة ولا يملكون حلاً حقيقياً، ويتشاجرون مع بعضهم البعض بعد أول خلاف، كما أنهم يهمهم تطبيق مبادئهم ولو على حساب الناس الذين كرهوهم مع مرور الوقت.

أصحاب المبادئ دعوا لإسقاط نظام «مبارك»، وأصحاب المصالح رفضوا أى تغيير أو تفاوضوا، ودعوا لأن يحكموا بعد «مبارك».

أصحاب المبادئ رفضوا ممارسات المجلس العسكرى، وأصحاب المصالح تفاوضوا معه سراً فى الفترة الانتقالية، أو شجعوه على السحل والتعرية وإحكام القبضة على الجميع.

أصحاب المبادئ رفضوا انتخاب مرشح ينتمى لنظام «مبارك»، ويعتبره مثله الأعلى، وأصحاب المصالح أكدوا أنه الأمل.

أصحاب المبادئ فضّل بعضهم عصر الليمون والبعض الآخر المقاطعة، وأصحاب المصالح اختاروا أن يجهضوا مشروع الإخوان من اليوم الأول حتى لو خسر مرشحهم.

المشكلة أن أصحاب المصالح قرروا فجأة التخلص من أصحاب المبادئ، وقد ملوا لعبة القط والفأر التى يتبادلون فيه الأدوار معهم، كما أن أصحاب المبادئ قرروا أنهم لن يرضخوا أو يخضعوا لسياسة الأمر الواقع التى يريد أصحاب المصالح فرضها، وبدلاً من أن يدرك الطرفان أن السياسة هى فن الممكن، وأن البدائل كارثية ما لم توجد صيغة تفاهم أو هدنة لما يحدث، يصر الطرفان على مواصلة اللعبة، والواقع أن من يستطيع فض الاشتباك من الآن هو ذلك القادم لقصر الرئاسة، لا سيما أنه حتى الآن لم يدلِ بدلوه، ولم نعرف ما إذا كان من أصحاب المصالح أو من أصحاب المبادئ، والمشكلة الأكبر أن أصحاب المبادئ وأصحاب المصالح لا يدركون أن ذلك القادم يجب أن يكون رئيساً للاثنين ولا يفرق بينهما، وأن مبدأه ومصلحته اسمها مصر بغض النظر عن الطرفين المتغيرين دائماً، فكل منهما يرى نفسه صاحب المبدأ والآخر صاحب المصلحة، وتتوالى الأحداث فتتغير المعادلات، وتخرج النتائج مرعبة.

بلا مواربة.. نحن أمام «السيسى» و«صباحى».. كلاهما مطالب بأن يثبت أنه سيصبح رئيساً للكل، وكلاهما مطالب بفض الاشتباك وموقف واضح قبل الانتخابات الرئاسية، والواقع أن «صباحى» يحاول فعل ذلك بشكل واضح، و«السيسى» الذى نعرف أنه لم يترشح بعد مطالب بقوة بفض الاشتباك من الآن، وبشكل واضح ومباشر، فهل سيفعل؟؟

إلى أصحاب المبادئ وأصحاب المصالح.. مطلوب هدنة وهدوء ورؤية، وعودة إلى أبسط تعريفات السياسة: فن الممكن.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الوطن

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *