وائل عبدالفتاح يكتب | من يصنع الفوضى القادمة؟

وائل عبدالفتاح يكتب | من يصنع الفوضى القادمة؟

وائل-عبد-الفتاح

لصالح من تستمر السياسة الفاشلة فى «شيطنة» الأولتراس؟

لصالح من يتركون لعقل قديم لا يرى فى العلاقة بين الدولة والمجتمع إلا الإخضاع والترويض وغسل الدماغ؟

لصالح من تعادى الدولة آلاف الشباب من أجيال قادمة يدفعهم القهر والقمع إلى الغضب الحارق؟

لصالح من تستخدم الدولة من أعلى مقاعدها إلى كل أجهزتها فى سبيل تصفية حسابات وتكريس شبكات مصالح تدافع عن مصالحها فى احتكار اللعبة التى تسعد الملايين؟

العقل القديم للدولة عاجز عن التعامل مع «الأولتراس» وليس أمامه إلا تبسيطها باعتبارهم «شوية عيال.. مشاغبين»، وهو تعامل مسطح فاشل يؤدى كما نرى إلى توحش وقطع خطوط التواصل مع أجيال كاملة من أجل مصالح صغيرة أو تصور فاشل بأنه يمكن إلغاء قدرات المجتمع على تنظيم نفسه كما حدث فى الستين سنة الأخيرة.

إذا كانت الدولة تتصور أنه لن تحكم إلا بإعادة المجتمع إلى مقاعد المتفرجين.. فإنه حتى المتفرج فى مدرجات الكرة لن يستمر متفرجا، وسيدافع عن شراكته فى صناعة اللعبة.

الدنيا تغيرت/ إذا لم يعلم أصحاب القرار فى الدولة/ وأسلوب القهر والقمع والترويع لن ينجح أو لن يتجاوز الاحتقان والغضب إلى «الإسكات الشامل». فالأولتراس ليست «مجموعات مشاغبة تدمن العنف».

إنهم وكما كتبت قبل ذلك كثيرا «ظاهرة معقدة».. إنهم سكان الركن المنسى من المدرجات، الباحثون عن متعة حقيقية، دون صناعة تبيع كل شىء، لمن يملك فقط، إنهم الجمهور الذى أصبح نجما أعلى من النجوم، والمهووسون الباحثون عن اللعب إلى الأبد، إنهم الأولتراس العشاق المتيمون باللعبة، لا الماكينة التى حولتها إلى صناعة رأسمالية، لا يقدر على الاستمتاع بها إلا من يملك ثمن التذكرة. الأولتراس ليسوا فقراء، لكنهم يبحثون عن متعة خالصة، التهمتها ماكينات ضخمة مضغت كل هذه المتعة وحولتها إلى بضاعة غالية، تحقق لهم الأرباح الخرافية، بينما المتعة أصبحت أقل.

الجنون بالمتعة الأصلية، ليس كل ما لدى الأولتراس، لكن الخروج عن سلطة السوق التى أصبحت تحدد كل شىء، وتصنع آلهة اسمها نجوم الكرة، وتجعل من اللعبة ببساطتها، وحشا كبيرا ممنوع الاقتراب منه إلا عبر «مروضى الوحش» من تجار وسماسرة وإدارات واتحادات وشركات إلى آخر هذه المافيا التى لا يهمها المتعة مقارنة بتدوير ماكينة الأرباح.

الأولتراس ضد السلطة التى تحمى هذه الماكينات بكل ما لديها من أدوات قهر وسيطرة، إنهم ضد التيار.. يبحثون عن متعة قديمة.. ويتوحدون بلون الفانلة، وبقوة تجمعهم.

هذا بعض ما عرفته عن الأولتراس، وكنت أراهم مجموعات فاشية، تدار بمنطق العصبة، المتجمعة حول زعيم أو مجلس زعماء، يقودون كل معارك تدميرهم لأشكال السلطة من الأمن المركزى إلى إدارة النادى.

خيالهم هو سر نجاحهم، هذا ما قد تكتشفه بعد صدمة اقترابهم من الفاشية، وتكتشف أيضا أنهم مثل كل التجمعات المضادة للسوق، تحكمهم علاقات وروابط مخيفة، لأنها لا تلتزم بقوانين أصبح متعارفا عليها ولو كانت ظالمة.

العمال الباحثون عن متعة الكرة فى إيطاليا تقريبا هم أول من قرروا تحويل الركن المنسى فى الملعب إلى مركز جديد، عندما فكروا فى أن يجلسوا فى هذا الركن بتذاكر مخفضة، ويقيموا استعراضهم، الذى سيجعل الجاذبية لهم وحدهم. من هنا الأولتراس هو الجنون الكامل بالفكرة، وقد تتحول إلى عصابات فاشية كما حدث فى بعض بلدان أوروبا الشرقية، وتقود إلى حروب أهلية، وقد تجذبها مسارات ثورات التحرر من الديكتاتور، كما حدث فى مصر،

وقد يجذبها الغضب إلى جماعات العنف السياسى أو الدينى. وقد تكون سببا فى رفع درجات المتعة فى الملاعب كما يحدث فى دول المواطن فيها السيد وليس عبدا عند كهنة الدولة….

هناك أكثر من مسار للتعامل مع الأولتراس.. فماذا اختارت الدولة؟ ولصالح من؟ ولماذا؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الدستور الاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *