أيمن الجندى يكتب | ضياء

 أيمن الجندى يكتب | ضياء

د.-أيمن-الجندى

كان ضياء فتى ينعم بسعادة حقيقية. قليلون هم السعداء بين الناس، ولكن ضياء كان واحدا منهم. طبعه الرِضى، وغفلته عن شرور الناس جعلاه يحيا فى شبه جنة، ربما تكون وهمية ولكنها سعيدة.

 

 

وكان يسكن فى البيت نفسه فتى على النقيض منه تماما، اسمه وحيد. كان يذاكر بجد شديد ويصل الليل بالنهار ثم يجد ضياء، غير المكترث بالترتيب أصلا، هو الأول على المدرسة. وكان يروّض بدنه على التمارين الرياضية الشاقة، ثم يحرز ضياء الأهداف بسهولة. وحينما كان مراهقا كان يرصد نمو جسده بقلق شديد، ويضع العلامات بدقة على الحائط، فيما كان ضياء ينمو بسرعة خارقة، مثل شجرة عفية تنشب جذورها فى الأرض وتنعم بالضوء والشمس والحرارة. وكان وحيد يتساءل دائما: أين ما يزعمون عن العدالة إذا كانت لا تتساوى الأنصبة؟ وتفشل السلحفاة المجتهدة فى اللحاق بالأرنب الكسول، الذى ينام معظم السباق ثم يحرز السبق فى اللحظة الأخيرة!؟

 

 

كبر ضياء دون أن يدرى أنه محور تفكير شخص معذب، يرصد أحواله فى اهتمام مثلما يرصد النجوم فلكى مُدقق. ويحاول أن يؤذيه بكل طريقة. يُلقى فى روع الجميع أنه ليس بالروعة التى يبدو بها. ويحاول أن يتلف سعيه ما استطاع دون أن يتبين أحد ما يحمله تجاهه من حقد. والمدهش أن وحيد كان أدرى الناس بمزايا ضياء. دماثته الهادئة وبشاشته الطبيعية. وعندما كان يتلاقيان مصادفة على الدرج، رغم كل احتياطات وحيد لتجنب لقائه، فإن دفء مصافحته له وترحيبه الصادق به وغفلته عن المقت الذى يحمله له، كلها أشياء كانت تؤذيه فى الصميم، إذ يفتقد مبرر الحقد عليه. ولطالما تمنى أن يُسيء له ضياء، ولو لمرة واحدة، حتى يجد المبرر الأخلاقى لكراهيته.

 

 

فى الكلية استطاع وحيد أن يفسد عليه قصة غرامه الوحيدة. نثر الشبهات حوله فى كل مكان، وما ساعده على ذلك أنه كان عدوا صامتا يجيد إخفاء عدائه. ثم يراقب فى سرور ترنحه تحت وطأة الضربات المتلاحقة الذى لا يدرى من أين تأتى. ما أكثر ما يستطيع فعله عدو خفى لا تدرى ضحيته شيئا عن عدواته. كانت الأمور تزداد تعقيدا مع ضياء، التى ارتسمت فى عينيه مع الوقت نظرة حائرة معذبة، وكأنما لا يدرى لماذا تسوء الأمور معه دائما! لماذا تُخدش سيارته أكثر من المعتاد؟ ولماذا تُسرب الإطارات هواءها فى الأوقات الحرجة؟ ولماذا تعثر التقرير الأمنى الخاص باستلامه العمل؟ ولماذا تسوء علاقاته بالزملاء لسبب غير مفهوم؟ ما الذى جعل عائلة الفتاة التى تقدم لخطبتها تغير رأيها فى الارتباط به؟ واعتقد ضياء أن هناك قوى كونية غامضة تناصبه العداء، فنضب معين بشاشته.

 

 

وفجأة، وبعد مرض قصير غامض لم يمهله إلا أياما معدودة مات ضياء. لم يكن لوحيد بالطبع أى دور فى ذلك. هزه الخبر هزا. ولفترة طويلة ظل عاجزا عن تصنيف مشاعره. أهو الندم وتأنيب الضمير؟ أم أن عداوته الطويلة تخفى إعجابا خفيا به؟ أم هو ارتباك المشاعر؟ لقد ظل ضياء محور حياته عقودا بأكملها، والآن تشرذم الكوكب بعد أن فقد الشمس التى كان يدور حولها. واكتشف وحيد أنه وحيد بالفعل، ولم يعد يدرى ماذا يفعل بنفسه!.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *