إبراهيم عيسي يكتب| الاستفتاء عمل ثورى

ابراهيم-عيسى

نسأل: هى الثورة إنك تغنِّى لها وتتعبد فيها عجلًا له خوار، أم أن تحقق أهدافها؟ فالثورات لا تحقق أهدافها بمزيد من الغضب، بل بمزيد من العقل والتخطيط والتنظيم.

الاستفتاء على الدستور عمل ثورى بإمتياز..

الفهم الأحمق للثورة على أنها مجرد مظاهرات احتجاجية واعتصامات غاضبة يسيطر على البعض الساذج، فالثورة هى التغيير الجذرى الشامل الحقيقى.

هنا يبدو الدستور عملًا ثوريًّا بامتياز فى تغيير حياة هذا الشعب..

نعم، هناك ثورات هائلة عبر الصناديق، جمال عبد الناصر مثلًا أقام ثورة حقيقية فى مصر دون أن يتظاهر أو يقود مظاهرات واعتصامات باتت أيامًا فى الشوارع، بل بقوانين وإجراءات ترجمت أهداف الثورة وهو جالس فى سلطة هذه البلاد مؤمنًا بشعبه وأحلامه.

دعنا نكرر ونؤكد أن الثورة لا تعنى الفرح بها، بل العمل المنظَّم المخطَّط الجماعى العلمى على تحويلها إلى واقع سياسى.

ما نشهده الآن أن الذين يقول عن أنفسهم «ثوار» يضيعون الثورة بالرغبة فى استمرار مظاهرها الاحتجاجية لا فى نجاح أهدافها، التعامل التافه مع الثورة يعتبر أنها تحت الكيف وأنها سهلة وأنها مظاهرة دائمة أشبه بـ«التظاهر للتظاهر»، كأنه «الفن للفن»، ثم إن الثورات لا تقوم لسبب واحد أبدًا ولا بقرار طبقة أو شريحة اجتماعية واحدة أو تيار سياسى واحد.

لو توقف البعض عن الحديث باسم الثورة وابتزاز الشعب بأنهم «مش ثورى» (طبعًا فهم لا يملكون حسابًا على «تويتر»، فكيف يتأتى لهم أن يكونوا ثوارًا؟)، وبذل جهدًا فى تحقيق أهداف الثورة على أرض الواقع، فإنه سيُنقِذ الثورة محبوبته ومنى عينيه من الفشل والضياع.

الثورة لن تنجح بالشتيمة وإلقاء التهم وتوزيع أختام الثورية وتكرارها فى كل خطبة كأنها وِرد من الأوراد، وكل شوية وصفها بنعوت تفخيم وتبجيل وتقديس، ولا الإسراع بكتابة مذكرات عنها حتى قبل أن نعرف أولها من آخرها، ولا بأن ينشغل الكل فى الهجوم على محاولات تشويه الثوار، وبالمناسبة بعضنا مشوَّه فعلًا، وهذا طبيعى ولا يسىء للثورة، فالثورة قام بها ملايين من المواطنين، بعضهم -ولا شك- مشوَّه أيضا. هذه هى الحياة يا سادة.

لكن ستنجح الثورة بأن يتحول الثوار إلى سياسيين يعملون فى المجال العامّ عملًا سياسيًّا منظَّمًا ومستمرًّا وناجحًا من خلال أحزاب قوية قادرة تنظم نفسها وتصل إلى جمهورها وتكسب ثقة شعبها فتحقق أهداف الثورة.

حدّ يقول لنا عن ثورة نجحت دون أن تصل إلى الحكم..

طيّب كيف يصل هؤلاء الثوار إلى الحكم؟

أن يقفزوا فوقه مثلًا؟

وافرض حتى أنهم قفزوا، كيف سيديرون الحكم ويضعون القوانين وينفذون اللوائح ويتخذون القرارات ويوفرون للناس أكل عيشهم ويفرضون الأمن ويحرسون الحدود؟

إذن لا بد من السياسة والقيادة والإدارة.

اسأل نفسك: هل هذه المقومات تتوفر فى الكام واحد الذين يُطِلُّون علينا متحدثين باسم الثورة جامد جدًّا ويعتبرون أنفسهم ممثلى الثورة والآخرون عَبَدة بيادة أو فلول أو بتوع أجهزة (بعض متشنجى الثورة يُشبِهون فى الصنف والنوع بعض دعاة التيار المتأسلم الذين يرون أنفسهم المدافعين عن دين الله وكل الناس كفرة)؟

الثورة تفشل عندما يفشل الثوار فى التحول إلى رجال سياسة ودولة..

وقد تنجح الثورات حين يتبنى رجال السياسة ورجال الدولة أهداف الثورة محترمين كفاح ونضال الشعب، لا إملاءات وخيالات مدعى الثورة.

الشعب المصرى كله قام بالثورتين.. ملايين ملؤوا الشوارع والميادين، وهكذا تكون الثورة، فهى بالتأكيد ليست مئة شخص نبيل على سلم نقابة.

إذن الملايين أصحاب مصلحة فى ثورة قاموا بها ولا يمكن أن يعتبر فريق أنه المعبِّر عنهم إلا إذا منحوه تفويضًا، سواء بأن يخرجوا بالملايين وراءه حين يطلب وينادى، أو يصوتوا له فى الانتخابات.

الحال الراهن يقول إن الثورة تفقد تمامًا مَن يقودون أُمَّة.. لا قيادة على الإطلاق، ومن ثم كل فسل أو نكرة أو نبيل أو عليل أو عجوز أو عيل، يدّعى لنفسه قيادة الثورة أو التعبير عنها.

وإذا كنا ننتظر أن يخرج، لوحده كده إذ فجأةً، الحزب القائد أو المجموعة القائدة، ابقى قابلنى.

الثورة التى لم تختَر لها قائدًا أو قيادة لن تنجح حتى يختار الشعب قائدها وقياداتها بنفسه… وها هى تفعل.

ليس بالضرورة أنها ناجحة فى الاختيار، لكن السؤال: وما الخيارات المتاحة أمامها أصلًا؟

المصدر جريدة التحرير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *