الدستورية العليا .. عدم دستورية الحكم بعدم تحديد التعويض لملاك المباني الأثرية

قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم السبت برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي في الدعوى رقم 39 لسنة 39 قضائية ” دستورية ” المحالة من محكمة القضاء الإداري بعدم دستورية عجز الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 فى شأن تنظيم هدم المبانى والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعمارى، فيما لم يتضمنه من تحديد قواعد وضوابط تقدير التعويض المقرر به وصرفه لمستحقيه”.

وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المادة (50) من الدستور قد أكدت على أهمية التراث الحضارى والثقافى المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة والإسلامية والقبطية، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، باعتبارها جميعًا ثروة قومية وإنسانية، ومن أجل ذلك جعل الحفاظ عليها وصيانتها التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، واعتبر الاعتداء عليها جريمة يعاقب عليها القانون، باعتبارها أحد روافد الهوية الثقافية والحضارية المصرية، والتى ألزم الدستور فى المادة (47) منه الدولة بالحفاظ عليها، وبالتالى صار الحفاظ على المبانى والمنشآت ذات الطابع الخاص والطراز المعمارى المتميز، المرتبطة بالتاريخ القومى أو بشخصية تاريخية أو التى تمثل حقبة تاريخية أو التى تعتبر مزارًا سياحيًّا، وصيانتها، طبقًا لنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم وهدم المباني والمنشآت الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري، التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا، وذلك باعتبارها جــــزءًا لا يتجزأ من الرصيد الثقافى المعمارى المعاصر الذى عنته المادة (50) من الدستور.

كما يعد إسهام المجتمع والمواطنين فى المحافظة عليها التزامًا قوميًا، تفرضه المواطنة التى اعتمدها الدستور فى المادة (1) منه أساسًا لبناء المجتمع، والتى تكفل للمواطنين مجموعة من الحقوق والحريات تجاه الجماعة الوطنية والدولة، كما تُحمله بمجموعة من الالتزامات يفرضها عليه واجب الانتماء والولاء الكاملين للوطن، يحترم هويته ويؤمن بها، وينتمى إليها، ويدافع عنها، ويحافظ عليها، بكل ما فى عناصر هذه الهوية من ثوابت، والتى من بينها مكونات الهوية الثقافية المصرية بروافدها المتنوعة، ومن بينها الرصيد الثقافى المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والذى يُعد ثروة قومية تعتز بها الأمم وتُناضل من أجلها، ويرتكن إليها المجتمع فى نمائه وتقدمه، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (87) منه، مشاركة المواطنين فى الحياة العامة واجبًا وطنيًّا، لا يقتصر الالتزام به على الجانب السياسى منها، بل يمتد إلى جوانبها الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وليضحى اضطلاع الملكية الخاصة، التى صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35) منه، بدورها فى هذا الشأن، داخلًا فى إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية فى خدمة المجتمع، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فـــراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها خير الفرد والجماعة، الأمر الذى يكون معه النص المحال بتحميله حق الملكية بالنسبة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، ببعض القيود التى تمثل انتقاصًا من هذا الحق، بهدف الحفاظ عليها، داخلاً فى نطاق سلطة المشرع التقديرية فى مجال تنظيم حق الملكية، ووفاءً من الدولة بالتزامها الدستورى المقرر بالمادتين (47، 50) من الدستور.

وحيث إن تدخل المشرع بتنظيم أوضاع أموال معينة مع إبقائها بيد أصحابها بطريقة تؤدى عملًا إلى تقويض بعض مقوماتها، ويؤثر على قيمتها الاقتصادية إلى حـد كبير، ولو كان ذلك تذرعًا بالوظيفـــة الاجتماعية للملكية أو بوجوب المحافظة على التراث القومى، إنما يعد – كما سلف البيان – انتقاصًا من حق الملكية تتحدد مشروعيته من زاوية دستورية بأن يكون مقترنًا بالتعويض العادل عن القيود التى يتضمنها ذلك التنظيم، خاصة إذا ما وضع فى الاعتبار أن حظر الهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، وبالنظر للآثار المترتبة عليه بحرمان المالك من بعض سلطاته الفعلية على ملكه، ومن الفوائد التى يمكن أن تعود عليه منه، يعدل – فى الآثار التى يرتبها – نزع ملكيته من أصحابه، وعلى ذلك فإن صحة تقرير التعويض المستحق قانونًا للمالكين، عن المبانى والمنشآت المشار إليها، والذى تضمنه النص المحال – من الناحية الدستورية – يكون رهين بكفالة حق المالكين فى التعويض العادل عن القيود التى يتضمنها هذا التنظيم، والذى لا يتأتى إلا بتضمين المشرع النص المقرر للتعويض – فى الحالة المعروضة – أسس وقواعد وضوابط تقديره، شاملة معايير تقدير التعويض، وتوقيت تقديره وصرفه لمستحقيه، والتى تكفل أن يكون معادلاً للقيمة الحقيقية لما تحمله المالك فى ملكه نتيجة القيود التى فرضهـــــــا المشـرع عليه، وما يضمن أن يقوم التعويض مقام الحق ذاته الذى حرم منه، ويعتبر بديلاً عنه، بما يحقق العدل الذى اعتمده الدستور فى المادة (4) منه، كأساس لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ويكفل تحقيق التوازن بين مصلحة المالكين الخاصة، ومتطلبات تحقيق المصلحة العامة، ذلك التوازن الذى رصده الدستور فى المادة (27) منه كأحد أهداف النظام الاقتصادى، وقيدًا على المشرع فيما يسنه من تشريعات تمس مصالح الأطراف فى العلاقات القانونية المختلفة، ولتكون تلك القواعد والضوابط الحاكمة للتعويض التى يقررها المشرع، قيدًا على اللجنة التى أسند إليها بمقتضى نص الفقرة الخامسة من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه الاختصاص بتقدير التعويض، ولتمكين القضاء المختص من رقابة أعمالها، وتقييم تقديراتها طبقًا لها، وهو الأمر وثيق الصلة بالحق فى التقاضى الذى كفلته المادة (97) من الدستور.