ايمن الجندى يكتب|الرجل القط

د.-أيمن-الجندى

 

سامح الله جارى وصديقى د. عبد الرازق. كان هو السبب وراء كل الأحداث المؤلمة التى مررت بها.

هذه المغامرة لم تكن مرحة كمغامرات الأمس. بل كانت اختبارا لى يؤسفنى أننى رسبت فيه بجدارة. بطلها قط أبيض رقيق الملامح، كنت أشاهده يتجول بالقرب من البيت.

العلاقة المباشرة بدأت حينما ذهب لجارى فى يوم قائظ (شديد الحرارة)، ولسانه متدل من العطش، فرحمه أطفاله، فسقوه طبقا من الحليب البارد، لا شك أن مذاقه بالنسبة إليه كان أروع شىء فى العالم.

صديقى هذا لا يهاب القطط، بعد أن اعتاد تربيتها فى طفولته، بل كانت تقاسمه الفراش. المشكلة فى زوجته التى تنفر غريزيا من القطط (مثلى بالضبط) ولا حيلة لها فى ذلك.

بعدها اعتاد القط أن يتردد على بيت صديقى آملا فى طعام طازج. بالتأكيد يختلف عن طعام القمامة. القط كان لحوحا ويتصرف بثقة. فوجئ به صديقى يتسلل من النافذة، ويقتحم البيت. وجدته زوجته فى منتصف الصالة، فصرخت من المفاجأة. بكثير من الصعوبة استطاعوا طرده من البيت، وهو يلح، ويراوغ.

القط عشرى بشكل لا يمكن احتماله. فى اليوم التالى فوجئ به صديقى يحاول أن يفتح النافذة بمخالبه. القط يشد، وصديقى يصد. بدا أقرب إلى إنسان يحاول أن يقتحم المنزل.

بعدها استدار القط إلىّ. يمكث أمام بابى محاولا التسلل. تحول القط بالتدريج إلى عبء ثقيل على ضميرى. من جهة أعرف أنه جائع! ومن جهة أشعر بالنفور الغريزى، ولا أعرف كيف أتعامل مع القطط. مغامراتى السابقة كنت أتدخل فيها للحظة واحدة بدافع الرحمة، مثلما ألهو بوليد صغير نظيف البدن لامع العينين، لكننى لا أتحمل مسؤوليته، وإنما أدفعه فى النهاية إلى أمه.

القط أشعرنى بأن إطعامه مشكلتى. لحوح وربما يائس. له عينان شبه بشريتين تقولان لى: «أيها الوغد الذى يتظاهر بالرحمة، ويكتب عن الحب، لماذا لا تطعمنى كل يوم؟». وعبثا ما أحاول إفهامه أننى بالكاد أتحمل مسؤولية إطعام نفسى. وأننى أنفر غريزيا منه. وإذا حاولت أن أصرفه، فلا ينصرف، وإذا تظاهرت أننى سأقذفه، لا يتراجع. بل ينظر إلىّ بعمق نظرة كراهية.

وهكذا دار بيننا هذا الحوار الصامت: «امشى»- «مش ماشى». فألوح بيدى كمن يُلقى حجرا: «حأضربك!». قال غاضبا: «جعان». قلتُ ما معناه: «كلّ من القمامة». نظر نحوى نظرة مركزة، فيها حقد وسخرية واحتقار، ثم أدار رأسه الصغير، وابتعد.

والذى حدث بعدها لا يُصدق. هاجمنى النوم فجأة. حينما استيقظت كان كل شىء من حولى كبيرا إلى حجم لا يُوصف. ما الذى جرى؟ ما الذى جعل السلالم بهذا الحجم الهائل؟ إنها توشك أن تفوقنى حجما. ولماذا أسير على أربع. رباه، إن لى ذيلا أيضا. هل معنى هذا أننى تحولت لقط؟.

اقتربت من باب بيتى فى جنون، لكن كيف أفتحه؟! تمسحت بالباب! الجوع يقرصنى. أبحث عن طعام هنا وهناك. لا يوجد طعام إلا فى القمامة. الرائحة كريهة. ينبغى أن أثب بين القذارة. ينبغى أن أخوض معارك عديدة مع القطط الجائعة. أوشكت على التقيؤ. أقدام آدمية تقترب منى. إنه شخص يشبهنى. حاولت أن أكلمه لكن صوتى خرج كمواء. نظر نحوى ساهما، ثم ابتعد عنى. لم يكن لدى مجال آخر. مشيت وراءه. أرجوك. أطعمنى. أنا جائع جدا.

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *