بلال فضل يكتب| بسلامٍ آمنين

بلال-فضل

الشهادة التى ستقرأها اليوم كتبتها الكاتبة نهلة النمر بعد توثيقها وتصويرها لأحوال إخوتنا اللاجئين السوريين المحتجزين فى الإسكندرية، وأهديها إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى يقولون إنه سيعيد أمجاد القومية العربية فى مصر، وإلى الرئيس القاضى عدلى منصور الذى أقسم بالله أنه لا يوجد أحد يمنعه من ممارسة سلطاته كاملة، وإلى الدكتور حازم الببلاوى قائد الجناح الديمقراطى فى حكومة الحرية الحمراء، وإلى المناضلين القدامى وزراء الحكومة الديمقراطية ورفاق حامى الأمن والأمان اللواء محمد إبراهيم، وإلى كل من كان لديه قلب أو أوعى السمع فهو شهيد:

«كنت فى زيارة لاخواتنا السوريات اللى أصبحوا على أيدينا «سجينات» فى قسم منتزه تانى ..والتهمة: إنهم كانوا بيحاولوا يهربوا «من» بلدنا !، تم اعتقالهم رغم إن قرارات النيابة كلها جاءت باخلاء سبيلهم، لكن لأن مزاج «الأمن» عندنا إنه يحتجزهم، كان ده هو قدرهم بعد الويلات اللى شافوها فى السفينة اللى بيهربوا عليها، واتقتل منهم ست مسنة وشاب برصاص عشوائى من خفر السواحل.

وبرغم الإصرار الشديد على احتجازهم، إلا إن الأمن قرر يخرج زوجة الشاب المقتول وابنة المرأة المغدورة من الحبس دونا عن الباقين، وده مقابل أرواح قرايبهم!، ده غير خروج رجل فلسطينى سورى كان موجود بردو على ضهر السفينة، لكن لإن زوجته المصرية قدرت تجيب «واسطة» من أحد الظباط، فخرجوا هما كمان ولم يحتجزوا زى الباقيين، وإتبقت المجموعة اللى لا حول لها ولا قوة، اللى فيه منها مش مسموح لهم أصلا باللجوء فى أى دولة لأنهم سوريين من أصل فلسطينى، بالرغم إن القنصلية الفلسطينية نفسها لم تقدم لهم أى نوع من أنواع المساعدة.

المهم إنهم كلهم أصلا معاهم تصاريح بالاقامة فى مصر، وقرارهم بالهروب كان لظروف معيشية ضيقة، وأسباب تخص المعاملة السيئة اللى بقوا يشوفوها، خاصة بعد ما تفضل المذيع المشهور وحرض عليهم «علنا» فى القناة المشهورة. وفى أثناء فترة احتجازهم، فيه منهم كتير انتهت مدة الاقامة الخاصة بيه، وفوجئوا بمنع الأمن «تجديد» مدة تصريح الاقامة بمصر، بينما قام بـ«تمديد» مدة إقامتهم بالحبس، الغريب إن مفيش مكان أصلا فى القسم يستوعب العدد المحتجز، لدرجة إنهم قلبوا «المصلى» الخاص بالقسم لـ«غرفة حجز»!.

وإذا كنا مش فاهمين غرض «الأمن» من استمرار حبس نساء وأطفال فيه منهم «رضع».. فى ظروف لا انسانية ولأسباب غير واضحة، فاللى مش مفهوم أكتر هو تصرفات ظباط قسم المنتزه تانى على وجه التحديد، وممارساتهم الغريبة تجاه النساء السوريات المحتجزات، السوريات اللى خرجوا من بلادهن هربا بأعراضهن من الاغتصاب، وجاءوا إلى مصر كملاذ وحماية بين ظهور المصريين، فكان جمالهن نقمة عليهن فى بلادنا، بسبب مطامع رجال لاحقوا كل من تظهر عليها السمات الشامية بالمعاكسة والسفالة!.

اللى بتتعرض له النساء فى قسم منتزه تانى هو أنماط متعددة من التحرش، منها شتيمة ومسبات بكل الألفاظ الجنسية التى لم ترد يوما على آذانهن.. إلى الحد الذى دفع إحدى السيدات إلى أن تستنفر وتصرخ فى الظابط المتحرش وتقول له: «انت ليه بتقول كده.. احنا نساء شريفات ما جيناش هنا فى تهمة ولم نرتكب إثم»، فكانت عقوبة الرد على الظابط هو غلق الأبواب طوال اليوم، إلى الحد الذى جعل الأطفال يتبولون على أنفسهم لعدم استطاعتهم الوصول إلى الحمام.

الحقيقة كل اللى فات كانت أوضاع «غير انسانية» مثيرة للشفقة، لم أسرد كل تفاصيلها، لأن كلمة «غير انسانية» فى حد ذاتها ما بقتش تفرق مع حد، لكن اللى عاوز أتكلم عنه أكتر هو الأوضاع «غير الانسانية» المثيرة للقىء، أيوه، القىء فوق كل فرد فقد إنسانيته، ولم يكتفى بالذل والظلم اللى بيمارسه على مجموعة من المستضعفين من النساء والأطفال، إلا إنه بدناوته وحقارته قرر يستفيد كمان من موقف ضعفهم.

القصة اللى عرفتها هناك واللى فعلا أثرت فيا جدا، وخلتنى أدمع إن ده حالهم وإن ده بيحصل فى بلدنا، وإن الغلب والظلم وصلوا إنسانة فى يوم من الأيام كان لها بيت وسقف يحميها وجدران تحفظها، تبقى فجأة تسلية وفرجة للكلاب، أحد العساكر استغل وجود إحدى السوريات فى الحمام عشان تستحمى، وطلع فوق المكان اللى كانت بتستحمى فيه وقعد يتفرج عليها!

حمام واحد فقط بيخدم القسم بالكامل، من أول العساكر للظباط للمساجين للعمال، مختلط رجال ونساء، سهل التسلل إليه وسهل انتهاك أى امرأة فيه، خصوصا إذا كانت الحادثة الأولى لم يتخذ فيها أى إجراء عقابى تجاه العسكرى اللى ارتكب الجريمة دى، ماعرفش لو كانت الست دى زوجة مسئول أو ضابط كبير وحصل معاها كده، كان حيبقى رد الفعل عامل ازاى، بس اللى أعرفه إن حماية عرض أى «إنسانة» فى بلدنا، هى جزء من عرض وشرف بلدنا.. وإن أى «مصرية» موجودة بالخارج لا يمكن نقبل إنه يحصل معاها كده.

بعد الزيارة اللى كنت فيها فى القسم، عرفت إن التحرش اللفظى اتكرر، وإن غلق الأبواب بقى بشكل دائم والمعاملة اتطورت للأسوأ، الأمر اللى دفع المحتجزين إلى القيام بإضراب عن الطعام. الطعام اللى أصلا القسم مش هو اللى بيوفره، وكان بييجى كإعانة من مفوضية اللاجئين، ومع ذلك كان لا يتحرج العساكر والظباط بالقسم من إنهم «يقاسموهم» فيه، وياخدوا نصه !

لو عايزين تعرفوا شعور الناس دى ايه : جرب إن أولادك يقوموا مفزوعين من النوم ويحصلهم تشنج لو سمعوا صوت أى ألعاب نارية خارج القسم، نتيجة تأثرهم بما جرى من إطلاق نار على السفينة.. ومع ذلك بيقولولك ارجع مدينتك التى لا ينتهى فيها القتل وأصوات الصواريخ.. جربى يكون ابنِك بيعيط عشان مش عارف يروح الحمام ويعمل فى الآخر على روحه وما تلاقيش حتى مية تشطفيه.. جربوا تتخيلوا إن مكان كان مخصص للصلاة اتقلب «مبولة» عشان باب بيتقفل وبيمنع كبار وصغيرين من ممارسة حقهم «البدائى» فى دخول الحمام.. جرب تتخيل إن مراتك تبقى فى الدور اللى تحت منك، وإنت موجود، وفيه واحد نجس بيتسلى عليها وبيشوفها وهى بتستحمى.

ملحوظة: المجرم السجين فى المواثيق الدولية له حقوق، فما بالكم بإن دول أصلا مش مجرمين؟».

حسبنا الله ونعم الوكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *