بلال فضل يكتب | ادخلوها بسلام آمنين

للأسف لست بحاجة لأن تسأل الشيخ عبد ربه التائه: متى ينصلح حال البلد يا مولاي؟، لأن قراءة هذه الرسالة يمكن أن تجيبك على السؤال:

«اسمي نادر الغريب العطار، باحث حقوقي و مؤسس «حركة التضامن مع اللاجئين» مع الرفيقة ماهينور المصري. أكتب اليك بعد أن تقطعت بنا السبل كحقوقيين لكي نؤدي واجبنا في التضامن مع المظلومين ونوصل إلى وسائل الإعلام ما يتعرض له اللاجئون السوريون من انتهاكات وترحيل متزايد لم تعد تلقى الإهتمام بسبب الضغوط الأمنية على أجهزة الإعلام في الآونة الأخيرة.

بعد اندلاع الثورة السورية بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى مصر أكثر من 95 ألف لاجئ، بسبب ما كان يجده السوريون في مصر من تعاطف ودعم وتضامن، وظل الأمر كذلك حتى خطاب الاستاد الشهير للرئيس السابق محمد مرسي الخاص بالقضية السورية والذي حضره عدد من السوريين المقيمين في مصر، حيث بدأت تنتشر منذ ذلك الوقت صورة خاطئة بأن جميع اللاجئين السوريين والفلسطينيين يدعمون حكم الإخوان المسلمين، وقد تعزز هذا الإحساس بفضل بعض وسائل الاعلام التي استمرت طوال الوقت في نشر خطاب الكراهية والتحريض، وللأسف استمر هذا الخطاب حتى بعد عزل مرسي، وهو خطاب من أخطر ما فيه أنه يبث رسائل عنصرية متعالية ضد القادمين إلى مصر لا تقول للمواطنين أن مصر كانت أول دولة أفريقية توقع في عام 1951 على اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، كما وقعت أيضا على اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للاجئين، وهي ملزمة باحترام هذه الإتفاقيات كجزء من مسئوليتها الدولية.

للأسف لم يتم احترام هذه الإتفاقيات، فضلا عن عدم احترام حقوق الأخوة والوحدة العربية والتاريخ المشترك ونصرة المظلوم، فقد أصبح لزاما أن يحصل المواطن السوري علي اقامة لكي يستطيع دخول مصر. و هذا مما يستحيل عليه لأن السفارة المصرية بسوريا مغلقة منذ تفاقم الأوضاع هناك، وفي 3 يوليو أعادت السلطات المصرية المئات من السوريين، كما تم رفض دخول السوريين الي مصر منذ يوم 8 يوليو. و تم ارجاع طائرة قادمة من دمشق بها 200 مواطن سوري الي سوريا مرة أخرى، و أيضا ارجاع طائرة تتبع الخطوط اللبنانية بها 76 سوري إلى لبنان مرة أخرى. في ظل ذلك كله غاب تماما دور وزارة الخارجية وتم ترك ملف اللاجئين بأكمله بيد وزارة الداخلية وبالتحديد جهاز الأمن الوطني، كما تم إيقاف عمل «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة في تسجيل اللاجئين الفلسطينيين بحجة أن هذا من اختصاص  منظمة الأونروا، مع أن الخارجية المصرية تعلم جيدا ان منظمة الأونروا ليس لها وجود في مصر.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن ازدادت الاعتداءات على اللاجئين السوريين بعد فض اعتصام رابعة العدوية، خاصة بعد أن أشاعت بعض وسائل الإعلام أن 60% من المعتصمين برابعة العدوية هم سوريون وفلسطينيون، وقامت قوات الأمن باعتقال 72 سوري بينهم 9 أطفال علي مدار يومي 19 و 20 يوليو. هذه الاعتقالات كانت عشوائية وتمت في كمائن قام بنصبها قوات الأمن و تم انزال السوريين من الاتوبيسات و الميكروباصات التي كانوا يستقلونها و بدون توجيه أي تهم، كما تم رصد حالات اعتداء عديدة بالفعل والقول ضد اللاجئين السوريين وتحطيم بعض المحال التجارية الخاصة بهم وترهيب أسرهم، كما حدث مثلا في مدينة دمياط والتي نزح منها الكثير من السوريين بعد تعرضهم للكثير من الانتهاكات وبعد أن قام بعض المواطنين «الشرفاء» بإنذارهم إما ان يظهروا دعمهم للجيش و يقوموا بتعليق صور الفريق السيسي أو يتم تكسير و حرق محالهم التجارية.

في مدينة الاسكندرية التي كانت على مر العصور ملاذا لكل اللاجئين الباحثين عن الأمان والحرية، أصبح ترحيل اللاجئين السوريين عملا اعتياديا، فمنذ أغسطس الماضي وحتى أيام قليلة مضت تم ترحيل أكثر من 350 سوري وفلسطيني بحجة أنهم حاولوا الهجرة غير الشرعية، ولم يفكر أحد في ما الذي جعلهم يريدون الرحيل بأي شكل حتى لو كان برمي نفسهم في البحر هروبا من معاناتهم في البلد التي اختاروها ملاذا لعائلاتهم، للأسف كثير من السوريين يخاف الآن أن يسجل أبناءه في المدارس تجنبا لأي مشاكل، بعضهم لا يذهب بأبنائه المرضى إلى المستشفيات الحكومية بل إن بعضهم قال لنا أنه يخاف أن ينادي على بضاعته في السوق حتى لا تفضحه لكنته الشامية. وبالرغم من أن كل حالات الهجرة غير الشرعية أخذت إخلاء سبيل من المحكمة إلا أن الأمن القومي أصر على ترحيل أصحابها بحجة أنهم «خطر على الأمن القومي المصري».

للأسف الحالات كثيرة وتزيد يوما بعد يوم، وهناك وقائع مؤلمة لأطفال ونساء محتجزين في غرف أو أماكن تابعة لأقسام الشرطة بمدينة الإسكندرية حتى يقوموا بتجميع النقود اللازمة لترحيلهم، فحكومتنا تقوم بترحيل المواطن السوري على نفقته الخاصة. من هذه القصص على سبيل المثال لا الحصر قصة معاوية ذو الـ 13 عاما الذي يعيش بكلية واحدة، فقد دفعته عائلته المقيمة بالقاهرة ليهاجر بشكل غير شرعي مع خاله حيث أنه بحاجة لعملية جراحية في أسرع وقت، ولا يستطيع عملها في مصر للتكاليف العالية ولعدم قدرة العائلة للذهاب الي مستشفي حكومي لخوفهم من الترحيل. هناك أيضا ربيعة الطفلة ذات الستة أشهر فقط المحتجزة مع والدتها في مسجد تابع لقسم المنتزه ثان بالاسكندرية، والتي أصبحت تعاني من أمراض جلدية لنقص التهوية و عدم نظافة المكان و قلة المياه اللازمة للتنظيف، ما الذي سيقوله و يحكيه يوما ما هؤلاء الأطفال عن معاناتهم في مصر «أم الدنيا» عندما يكبرون وبعد أن تنتصر ثورتهم ويعودوا إلى بلادهم معززين مكرمين؟».

لم يبق بعد هذه السطور الحزينة إلا أن أسأل: يا ناس يا هوه، يا حكومة يا شعب، هل ده يرضي ربنا الذي قال عن هذه البلاد في كتابه الكريم «ادخلوها بسلام آمنين»؟.

المصدر: الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *