بلال فضل يكتب| الخوف كإنه كلب!

ليست رواية (عام التنين) للكاتب الرائع محمد ربيع من الروايات التي تسهل حكايتها، وليست أيضا من الروايات التي يسهل نسيانها، ستكتشف ذلك بنفسك بعد أن تقرأها.

تفتتح الرواية صفحاتها برسالة يبعث بها شخص مجهول الإسم إلى حسني مبارك فور توليه منصب الرئيس، متعهدا له أنه سيرسل عبر وسيط من المخلصين العاملين في خدمته رسائل حافلة بنصائح ستساعده على الإمساك بزمام الحكم، لتبدأ بعد ذلك أحداث الرواية التي تحكي وقائع حياة المواطن نعيم أبو سبعة الذي يعمل في مهنة تجليد الكتب الآيلة للإنقراض، وتتخلل تلك الوقائع في تناغم فني مدهش رسائل الناصح الأمين إلى الوسيط الذي يخاطبه دائما بـ «عزيزي صلاح»، فنفهم مع أول رسالة تقدمها الرواية أن كاتب الرسائل غير راضٍ عما يحدث في البلاد بعد أكثر من 25 عاما قدم فيها نصائحه لمبارك فأهملها، لتهتز قبضته الممسكة بزمام الأمور في البلاد، ويصبح لزاماً عليه أن يطبق تلك النصائح لكي يعود للسيطرة على البلاد.

صدرت رواية محمد ربيع عام 2012 عن دار الكتب خان  ويبدو من المعلومات المنشورة في نهاية الرواية أنه بدأ كتابتها في عام 2010 عقب إصدار روايته الممتعة (كوكب عنبر)، ومع ذلك لن تشعر أنها رواية تتحدث عن عصر مبارك وحده، بقدر ما تتحدث عن علاقة المواطن المصري بالدولة البوليسية في كل العصور، بل إنك ستشعر لو أعدت قراءتها في هذه الأيام أن رسائل الناصح الغامض التي لم يقم صلاح بإيصالها إلى مبارك، بدأت تصل هذه الأيام وبدأ تطبيقها بحذافيرها، ولكي تتأكد تعال لنقرأ سويا هذه المقتطفات من إحدى رسائل الناصح الغامض، واحكم بنفسك.

«عزيزي صلاح.. كبداية أود أن يعود غموض الدولة إلى عهده السابق، اريد أن يظن الناس أن بإمكان وزير الداخلية القبض على أي شخص وحبسه وتغريمه، أود أن يصمت الناس عند أي ذكر للدولة، عند أي ذكر للحكومة أو للإدارة أو المؤسسة أو الرئاسة أو المخابرات أو أمن الدولة أو الأمن العام أو الأمن الوقائي أو الأمن الصحي أو الأمن الغذائي أو حتى كير سيرفيس. هذا الصمت الكئيب قاطع الأنفاس.

لقد عاش المصريون زمنا رائعا من قبل، كان ذكر اسم صلاح نصر كفيلا بإصابة سامعه بالرعب لبقية أيام الأسبوع، ثم جاء زمن هدد فيه الناس بعضهم بعلاقاتهم بالمخابرات، أبي يعمل في أمن الدولة، أخي يعمل في المخابرات الحربية، ثم جاء وقت ملعون راحت فيه هيبة كل أجهزة الدولة، الأكثر من هذا، أصبحت مهمة ومسئولية الأجهزة معروفة للكثيرين أو هكذا يظنون. غياب الغموض هو أحد أهم أسباب اعتياد الناس على انتقاد الحكومة، هم الآن يعرفون المسئول عن الخطأ من يجدر بهم انتقاده ومن يجب عليهم تأييده أو مهادنته.

يجب أن نطور المجتمع المصري، أن نعيده إلى سابق عهده، لا أنكر أن إنجازاتكم التي تحققت خلال السنوات الماضية بالغة العظمة، هائلة ولم ينجزها أي حاكم مصري على مر التاريخ، لكن الرغبة في الوصول للكمال يجب أن تظل الرغبة الأساسية المحركة لكم، أنتم أوصلتم الشعب المصري إلى مرحلة الانبطاح، وهي أفضل ما توصل إليه حاكم مصري من قبل، لكني أريد أن أطور المرحلة، أريد أن أتجاوز مرحلة الانبطاح، لا يمكن للمصري أن يظل منبطحا طوال الوقت، أريدكم أن تصلوا بالمواطن المصري إلى مرحلة الفلقسة…

الخوف من الفقد هو مفتاح التحكم بالطبقة المتوسطة، والخطوة القادمة تطوير الخوف عند الطبقة المتوسطة، أن يخاف المواطن المصري خوفا مجردا، خوفا من المجهول، من المستقبل، من كل ما يحيطه، وليس خوفا من فقد ممتلكات تافهة فقط. الخوف هو أشهر محفز للناس، أو قل في حالة المواطن المصري المتوسط هو أشهر «مثبط» للناس. الخوف من الموت قد يكون دافعا للإنسان العادي لمقاومته، بالهرب مرة وبمواجهة الخطر مرة أخرى، سيقوم الإنسان العادي بذلك في حال وضوح الخطر المحدق به، حينما يتأكد أن الخطر القادم نحوه قد يودي بحياته، لكني لا أود أن يهرب المصريون من الخطر، وبالطبع لا أود أن يقاوم المصريون الخطر، بل أود أن يستسلموا للخطر، وأن يكون رد فعلهم متمثلا في فعلين: الصمت والسكون.

 ولكي نصل إلى هذه النتيجة، يجب أن تكون أسباب الخوف عند المصريين عديدة… مشاعر الخوف والكراهية المتبادلة هي التي ستجعل الجميع مشغولين بمعاداة بعضهم بعضا، العداوة الاجتماعية القائمة بين المصريين ستجعل من الصعب توحيد صفوفهم في مواجهة مبارك، وبالطبع في مواجهة أي حاكم. الوحدة بين صفوف المصريين هي العامل الوحيد الذي قد يكسر عناد مبارك، احذروا تلك الوحدة. وكما تحكم الأنظمة المحترمة شعوبها بالخوف، يجب أن يُحكم المصريون بالخوف. فالغرض من إثارة مخاوف الشعوب لم يكن فقط تفريق صفوفهم وإنما كان لشغلهم بشكل عام عن تحركات الحاكم. فكما الارهاب والانهيار الإقتصادي وزوال الحلم الأمريكي المتمثل في الرخاء والحرية والديمقراطية، مخاوف لدى المواطن الأمريكي، تكاد تصل به إلى التخلي عن الرخاء والحرية والديمقراطية.

يجب أن تُخلق مخاوف شبيهة للمصريين، الخوف من التطرف الإسلامي والحرب مع اسرائيل والفوضى الداخلية، وأضف طبعا الإنهيار الإقتصادي… الخوف يا عزيزي هو الحل، حتى الأنظمة الموبوءة بالديمقراطية تسيطر على شعوبها بالخوف، تلك الغريزة الأساسية التي تتحكم في أذكى الناس، يعتمدون على خلق عدو، يهدد الشعب بالدمار، بالانهيار الاقتصادي، بالانهيار الأخلاقي، بالموت… الخوف الجماعي دائما أكبر وأخطر تأثيرا من الخوف الفردي، الجماعي يتعاظم كلما زاد عدد الخائفين، هؤلاء يساعدون على تضخيم الخوف أيضا وعلى خلق أبعاد أخرى للخوف، يساعدون بلا وعيهم الجماعي على تعظيم البعبع «.

في رواية محمد ربيع تنجح نصائح الغامض في مساعدة التنين مبارك على إعادة السيطرة على البلاد ليسير معارضوه وفي مقدمتهم محمد البرادعي في موكب النادمين، وهو اختيار فني لا يتحدث عن مبارك كشخص، بل عن نموذج الحاكم الذي ينجح في السيطرة على الشعب بفضل الخوف، فهل يكتب الشعب المصري لنفسه في الواقع نهاية مختلفة، أم يفضل أن يعيش ثانية في أسر الخوف ويعيد الفيلم من أوله؟.

المصدر: الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *