حيثيات الإدارية العليا بمجازاة مسئولين بالتعليم تقاعسوا عن مساعدة معلمة تحرش بها طلاب

حيثيات الإدارية العليا بمجازاة مسئولين بالتعليم تقاعسوا عن مساعدة معلمة تحرش بها طلاب

أودعت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ، بمجازاة  ” ك م ع ” مدير عام إدارة العمرانية سابقاً ومعلم خبير رياضيات بمدرسة السعيدية الثانوية حالياً بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر , لأنه خالف مدونات السلوك وأخلاقيات الخدمة المدنية بأن تقاعس عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال واقعة تحرش تلاميذ الإعدادى بالمعلمة ” أ.م .م ” أثناء لجنة امتحانات مدرسة طلعت حرب الإعدادية , وأغفل ذكر الواقعة بتقرير سير الامتحانات رغم اخطاره بالواقعة من قبل المُعلمة ،كما وضع توقيع وكيلة وزارة التربية والتعليم بالجيزة علي الصورة الضوئية من الافادة المقدمة منه للنيابة بنفى واقعة التحرش بالمُعلمة بالمخالفة للحقيقة وزعم عدم اخطار المديرية بالواقعة .

صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ونبيل عطا الله وأحمد ماهر نواب رئيس مجلس الدولة.

وذكرت  المحكمة فى أسباب حكمها، أن المعلمة التى تعرضت للتحرش الجنسى من طلاب الإعدادية فى لجنة الامتحان لم تجد الدعم الكافى من رؤسائها بوزارة التربية والتعليم فقد تخلى عنها الطاعن بصفته مدير الإدارة التعليمية بالعمرانية فى ذلك الوقت وامتنع عن أداء دوره المنوط به من تسجيل واقعة التحرش واخطار الجهات الرئاسية له مما حدا بها إلى تحرير مذكرة للسيدة مديرة مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة ذكرت فيها أن طلاب الاعدادية قاموا بالتهجم عليها والتحرش بها وملامسة أجزاء من جسدها بشكل عنيف وغوغائى ولولا اصرارها ودأبها للحصول على حقها ما تمكنت من محاسبة هؤلاء الصبية جنائيا .

وهى المعلمة والمربية لكنها لم تيأس ولم تهن مما تعرضت له من ظلم الفسدة والخُلق الذميم ، الذى يؤدى إلى إيذاء الناس وخراب المجتمعات ، فكيف لمثلها عايشت ظلما وقهرا وسط أسرتها ومجتمعها أن تكون معلمة ومربية فاعلة , فكان لزاما على المحكمة أن تتصدي لما عانته هذه السيدة من قهر نطقت الأوراق به ، وأن يكون لها قول الحق وتسجل فى صفحات حكمها نضال هذه السيدة وهى نموذج للمرأة المثابرة فتعيد إليها كرامتها التى اُهدرت  والتى تصون لها الدستور فى المادة 51 منه التى جعلت الكرامة حق لكل إنسان لا يجوز المساس بها والزم الدولة باحترامها وحمايتها , والعدوان الذى تم عليها هو عدوان على كل مربية أعطت من عمرها فى خدمة التعليم والوطن .

وأشارت المحكمة أنها تسجل فى حكمها أيضا أنها ولئن عالجت فى حكم سابق لها تحرش بعض المعلمين بتلاميذ المدارس إلا أنها تدق ناقوس الخطر من جديد على واقعة أشد فتكا بالمجتمع بأن يصل  الانحراف إلى تلاميذ الصف الإعدادى  فيتحرشون  بمعلمتهم التى تجاوز عمرها الخمسين عاما  , ومكمن الخطورة أن ظاهرة التحرش التي انتشرت على مسرح الشوارع  انتقلت إلى مسرح أخر له قدسية محراب العلم بالمدارس الأصل فيه أنه مجال للقيم والتربية والتعليم , إن ظاهرة التحرش الجنسي من طلاب الاعدادية على معلمتهم – الذى كشف عنها الطعن الماثل – لها أثار خطيرة علي البناء الاجتماعي للمجتمع ،والنسق القيمي له .

وهو من أحلك أشكال العنف ضد المرأة التي أصبحت تتعرض له في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية ،خاصة في مجتمع اختلطت فيه المعايير والقيم الاجتماعية المتعارف عليها بموروث ثقافى مصرى على مدار التاريخ عن الحياء والحشمة , فتضاءل دور المدرسة التربوي والارشادي والتقويمي حتي أصبحت المدرسة بيئة خصبة لشتي الانحرافات السلوكية ، كما أن الادارة المدرسية لا تمارس أسلوب المكاشفة في مواجهة المشاكل كمشكلة التحرش الجنسي بل تلجأ الي طريقة التستر وادعاء أن مثل هذه الجرائم مجرد حالات فردية أو مشاكل محدودة , والمسئول عن هذا التردى الأسرة والمدرسة معاً .

وأضافت المحكمة في حكمها  أنه لا ريب أن للأسرة دور إلى جانب هذه الأدوار الحكومية وهو مراقبة أبنائها في رواحهم وغدوهم والأماكن التى يرتادونها أو يترددون عليها ومراقبة استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعى ومحتوياتها التى تموج بالعديد من القيم السلبية والسلوكيات المعوجة . ولقد كان لأهمية وخطورة الواقعة محل الطعن على المجتمع هى الباعث لهذه المحكمة في أن تستفيض في بيان أسبابها ومظاهرها ووسائل مقاومتها والقضاء عليها , قياما بالدور الاجتماعى للأحكام القضائية الذى لا يقتصر فقط على معاقبة من تنكبوا سبيل الرشاد بل دق ناقوس الخطر لتنبيه المجتمع بما استجلته من وقائع طُرحت على قضائه وتحتم على المجتمع كل المجتمع التصدى لها .

وقالت المحكمة أنها من منصتها العالية  تدق ناقوس الخطر إلى ضرورة التنبيه لاستفحال ظاهرة التحرش ونموها بشكل متسارع بما يقتضى التصدى لها قبل أن تخرج عن السيطرة , ومن ثم وجب المشاركة الفعالة من الاَباء في متابعة تعليم أبنائهم وتفعيل دور المدرسة ليكون مكملاً لدور البيت، باعتبارها مجتمعا كبيرا يمارس فيه الطالب ما تربى عليه في محيطه الأسري المصغر، ويوظف خبراته التي تلقاها من أبويه، ولتضيف إليه المدرسة خبرات جديدة من خلال تعامله مع أقرانه ومع مدرسيه ذوى الخبرة , فيتفاعل الطالب داخل الوسط المدرسي الذى تغرس فيه أنماط سلوكية واجتماعية أوسع من تلك التي تلقاها في البيت، ولا ريب أن للإدارة المدرسية دور كبير في حماية الطلاب من الانحراف أخذا في الاعتبار وجود قنوات اتصال بين المنزل والمدرسة.

ومن ثم يصبح الدور التكاملي بين الأسرة والمدرسة جوهرى وضروري في تربية النشء ؛ ويجب مشاركة الآباء في مجالس الآباء وعقد لقاءات دورية تجمع الآباء بالمعلمين , وتنبه المحكمة أن تفرقة المجتمع لدور الأسرة والمدرسة  بقصر التنشئة الأسرية على البيت فقط  دون ربطها بالمدرسة هو أول أسباب الفشل ، فلا يمكن اعتبار المدرسة مكانا لتلقي العلوم فحسب ، ولا يمكن اعتبار نطاق  التربية في البيت فقط , فيجب استعادة ثقافة التكامل بين المدرسة والبيت داخل المجتمع , فالتأثر والتأثير بين البيت والمدرسة هو معيار تقدم الأمم في التنشئة الصحيحة.

وأوضحت المحكمة أن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى في حياة الطفل ، يتشكل منها نظرته للحياة واتجاهاته وقيمه وسلوكياته وميوله وعاداته , فاهتمام الآباء بأبنائهم، والقيم التي يحرصون على غرسها فيهم هي من أهم العوامل الأساسية التي تحسم مدى نجاح الطفل في المدرسة , ولهذا كان دور الآباء والأمهات من أهم الأدوار في التنشئة الاجتماعية ،  ومن الأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها الأبوان هي الاتكال  على المدرسة وحدها ، لعدم وجود  الوقت الكافي للأسرة لتربية الأبناء ، وبين نفاذ في المسئولية التربوية بين الأسرة والمدرسة ضاعت الأجيال الناشئة واتخذت لها قيماً سلبية بعيدة عن القيم الحضارية لمصر على مر العصور وكر الدهور , وأصبح بين ظهرينا جيل مشوه لا نعرفه ولا يعرفنا يقتضى منا جميعا أسرة ومدرسة ومنظمات حكومية وغير حكومية ومنابر دينية ومنارات ثقافية التراص والتعاون في صبر ومثابرة لإعادة هذه الأجيال التى تفلت عقالها إلى مرابضها الحقيقية ومشاربها النقية كى تصح نفوسها وتسمو أخلاقها فينصلح حالها وحال الأسرة والمجتمع .