د. أيمن الجندى يكتب| الناجون

د.-أيمن-الجندى1

يموت الإنسان. تموت الأشجار والنجوم، فأى عجب أن تموت الأرض. أول من تنبأ بالفناء المرتقب للأرض كان عالما فرنسيا عام ٢٠١٠. شرح نظريته الكاملة ومفادها أن جسيما هائلا سيارا فى الفضاء سوف يرتطم بالأرض بعد سبعين عاما ويفنيها فناء كاملا. لكن أحدا لم يهتم وقتها بما يقول.

عام ٢٠٣٠ عاود عالم فلك سويدى التأكيد على نظرية فناء الأرض، وطالب الحكومات بالاستعداد. لكن علماء آخرين أكدوا أن الشمس فى طفولتها وأمامها مليارات السنين كى تزول.

عام ٢٠٥٠ أعلنت الولايات المتحدة أن كل الشواهد تؤكد قرب زوال الأرض بعد ثلاثين عاما، وأنه قد ضاع وقت ثمين للغاية كان ينبغى أن ننفقه فى الاستعداد.

وعمت الاضطرابات أرجاء الأرض وتساءل الناس عن كنه الاستعداد!

بالتدريج تناثرت تسريبات عن استعدادات تُعد للوصول إلى كوكب تم اكتشافه حديثا ويشابه الأرض على نحو مذهل. ثم تبين أن الاستعدادات بدأت بالفعل منذ عشرين عاما، ولكن فى صمت وهدوء. تم بناء سفن فضاء عملاقة بسرعات خارقة، تستطيع الوصول إلى هذا الكوكب المأمول فى خلال سبع سنوات. قالت التسريبات أيضا إن كل عناصر الحياة موجودة فى هذا الكوكب، من ماء وهواء وغذاء.

وتحمس الناس بعد أن انتعش حلمهم فى الخلاص. ثم أفاق الناس إلى حقيقة أنه لا يمكن نقل الجنس البشرى بالكامل، وأنه من المحتم أن يتم الانتقاء.

بداية اتفق الجميع على حمل عينة تمثل جميع الأجناس العرقية فى الأرض، ولكن اختلفوا بعد ذلك. منهم من اقترح الاختيار العشوائى، ومنهم من اقترح اختيار الأكثر ذكاء أو الأقوى تحملا.

ثم اتضح للجميع عام ٢٠٧٠ أن الأغنياء فقط هم من احتكروا تذاكر الذهاب. هم القادرون وحدهم على تمويل صناعة هذه السفن الفضائية باهظة الثمن، وبالتالى حجزوا مقاعد لهم ولأسرهم. هاجت مشاعر الفقراء إذ ليس من العدل أن يقضوا فترة حياتهم على الكوكب يُضربون بالسياط، ثم تُكتب النجاة فقط لأصحاب الثراء.

وكالمتوقع نشبت حروب هائلة، لكنها ليست كالحروب السابقة، تم استخدام أبشع وسائل الفتك بلا تردد. لكن الأقوياء انتصروا كالعادة، والذين كانوا فى الوقت نفسه هم الأغنياء.

وبدأ النيزك العملاق الذى سيضرب الأرض يقترب. وأصبح فى وسع المراصد البسيطة أن ترصده. وبدأت السفن الفضائية عالية التجهيز فى مغادرة الأرض، سفينة بعد سفينة، لا تحمل سوى الأقوياء.

وانصرم العام الثمانون بعد الألفية الثانية، ولم يعد يتبقى على الأرض سوى الفقراء والبسطاء وملح الأرض من الناس العاديين. وبعين الحزن شاهدوا آخر سفينة فضاء ترحل بسكانها وهم يغادرون الغلاف الجوى نحو الكوكب الموعود.

■ ■ ■

والذى حدث بعدها أن النيزك ظل يدور حول الأرض لعدة أيام، ثم ابتعد لأسباب مجهولة. وبعد أن زالت صدمة المفاجأة وهدأت فرحة النجاة، بدأ سكان الأرض يفطنون إلى الحقيقة التالية: جميع الأغنياء والأقوياء صاروا بالفعل خارج الأرض، والله أعلم بمآلهم فى السفن الفضائية، هل سيصلون إلى كوكبهم المنشود أم لا؟. لكن المؤكد أن هناك واقعا جديدا قد نشأ على الأرض لأول مرة، ربما منذ نشأة الحياة! وهو أنه لم تعد هناك فروق بين إنسان وآخر، والتى تراكمت عبر العصور وأثقلت البشرية، وأنهم يبدأون حياة جديدة على الكوكب تتسم بالتساوى بين البشر، بلا أقوياء ولا أغنياء.

ترى: هل ستدوم المساواة؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *