د.أيمن الجندى يكتب| لاعب الشطرنج

د.-أيمن-الجندى1

هى مباراة فى الشطرنج. ولكنها تختلف عن الشطرنج الذى كنت تلعبه فى صباك مع أخيك. رقعة الشطرنج كبيرة. مساحتها آلاف الأميال.

تصطف قطع الشطرنج. بيادق يسهل التضحية بها، وقطع مميزة، حصان وطابية وفيل ووزير.

أما من يدير اللعبة فهو ليس الملك كما يتبادر للذهن. الملك هنا هو إحدى قطع الشطرنج التى يتم تحريكها، وقد يفقد حياته فى أى لحظة، بقفزة مباغتة من حصان متهور، بدفعة مفاجئة من فيل ضخم، بمشورة خاطئة من وزير أحمق. كلها أشياء قد تُودى بحياة الملك، فيما يستطيع لاعب الشطرنج، المتحكم فى مصير القطع، أن يطوى الرقعة فى أى لحظة، ويبدأ اللعب من جديد! لاعب الشطرنج أقوى من الملك، هو القوة المجهولة التى تدير الأحداث من وراء ستار.

■ ■ ■

لاعب الشطرنج قلق وغير مستريح. يشعر بأشياء غامضة على وشك الحدوث. لاعب الشطرنج يتمتع بقدرات خارقة! تمكنه من معرفة كل ما يدور على الرقعة برغم أنها تمتد ملايين الأميال.

وبالفعل صدق حدسه. هاجت العامة، دبت الفوضى على رقعة الشطرنج. ولأول مرة تُخرق قوانين اللعبة. القانون المقدس يقول إن بيادق الشطرنج وجهها للأمام. ولكنها استدارت للخلف وانقلبت على القطع المميزة من نفس لونها، مخالفة كل القوانين.

لاعب الشطرنج أدرك بخبرته أن لاعب الشطرنج على الجانب الآخر هو الذى يحرك الأحداث.

لوهلة أفلتت اللعبة من إرادته. البيادق شرعوا يحطمون كل شىء فى طريقهم إلى الملك المذهول. الحصان يصهل، والفيل يحرك زلومه فى يأس، والوزير فى حيص بيص. والملك العجوز استسلم، وغادر الرقعة محمولا على محفة، متظاهرا بالمرض والذبول.

لاعب الشطرنج يشعر بالإثارة. لذة التحدى وتدفق الأدرينالين فى الدم. مباراته مع لاعب الشطرنج على الجانب الآخر من الرقعة، هذا هو التحدى، الذى لا تراه الكائنات التعسة على الرقعة، والتى تظن أنها تؤدى دورا حقيقيا فى الحياة.

رويداً بدأ يضع ملامح الخطة. الخطة كانت من أروع ما يكون. فلنأخذ أحد البيادق، ونجعله ملكا. بيدق مسكين بلا خبرة. ولكن غروره سيهيئ له أنه أسطورة الزمان. باقى البيادق سعيدة لأنها أجبرت الملك على الرحيل. ولأنها أدمنت الحالة الثورية. ولأن واحدا منها أصبح الملك الجديد. البيادق حمقاء. لا تدرى أن الملك الجديد معدوم الخبرة وجميع قراراته خرقاء. الملك لا يعرف من أصول الملك إلا أن يضع التاج على رأسه ويتبختر فى خيلاء.

نظر لاعب الشطرنج إلى الرقعة وبدأ ينثر العراقيل. هنا يزدحم طريق البيادق فى طريقها إلى عربة الفول. هنا يُمنع طهو الفول. هنا يُسكب الفول المطهو، هنا تتحول حياة البيادق إلى جحيم.

القطع المميزة لها دور. الفيل لا يطيع الملك. الوزير يُضلله. الحصان لا يجر العربات وإنما يكتفى بالصهيل. الطابية لا تحمى الأركان. البيادق تثور على الملك. البيادق تخلع الملك، البيادق تهتف بحياة الوزير. انتهت اللعبة بنجاح ساحق. لاعب الشطرنج هذا يفعل ذلك لمجرد متعة السيطرة، لا من أجل أبهة ولا مال ولا نساء.

الأبهة تركها للملك. المال تركه للوزير. والنسوة تركهن للحصان. متعته هو الخطر، نشوته هى الأدرينالين.

ابتسم لاعب الشطرنج فى رضا. راح يتأمل رقعة الشطرنج الخاضعة لإرادته، ثم طوى الرقعة بأكملها، فتناثرت القطع على جانبى الرقعة، المهزومة منها والمنتصرة، معدومة الحيلة، مجهولة المصير.

المصدر جريدة المصري اليوم