عبد الرحمن يوسف يكتب| كلهم خوارج يا صديقى

يستخدم البعض لفظ «الخوارج» كما يحب، وهو مصطلح واسع، مضلل، يوظفه المتحدث على هواه.

أحد المشايخ وصف آلاف المواطنين بأنهم «خوارج»، وأفتى بحل دمائهم !

الخوارج طائفة بعينها فى تاريخنا، كما أنهم مجموعة من الصفات من الممكن أن تتكرر فى أى زمان ومكان.

تاريخيا هم جزء من جيش سيدنا على كرم الله وجهه وخرجوا عليه بعد معركة صفين، ولكنهم مجموعة من الصفات تتكرر فى أى زمان ومكان، والحقيقة أننا نعيش فى عصر الخوارج، بعضهم من الإسلاميين، وبعضهم من «التيار المدنى»، وبعضهم من عوام الناس.

هناك من لا يرى فى الخوارج سوى قول الرسول الكريم « يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» والحديث صحيح.

فيستدل الليبرالى بهذا الحديث لكى يصم كل الإسلاميين بأنهم خوارج، ويستغل تشدد البعض ليعمم الحكم على الجميع.

والحقيقة أن الخوارج قوم متنطعون فى الدين، متشددون فى السياسة، وغالبيتهم من العامة والدهماء، وبالتالى ينطبق وصف الخوارج على كثير من الإسلاميين، وكثير من العلمانيين، وكثير من عوام الناس.

ماذا قال الخوارج لسيدنا على كرم الله وجهه حين قرر قبول التحكيم حقنا للدماء؟

قالوا له (بالبلدى) : «افرُمْ يا أمير المؤمنين»!

وحين قبل سيدنا على أن يكتب اسمه فى المعاهدة دون لفظ (أمير المؤمنين)، ماذا قالوا له؟

قالوا له (بالبلدى) : «هيبة الدولة»!

لقد أعلن سيدنا على سياسته تجاه هذه الجماعة المتطرفة، فقال: «إن لكم عندنا ثلاثًا: لا نمنعكم صلاةً فى هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفىء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا».

أى أنه قبل بتعددية فكرية بشرط العمل السلمى، ولكن حين حملوا السلاح قاتلهم سيدنا على وكان ذلك فى معركة النهروان عام 38 هـ، ولم يفعل ذلك إلا بعد أن راسلهم وناظرهم مرات ومرات، وحتى بعد أن سفكوا الدماء طالبهم بتسليم القتلة، ولكنهم رفضوا، فاضطر لقتالهم، (ولقتالهم عشرات الضوابط والشروط لأنهم مسلمون وليسوا كفارا).

إن تشدد الخوارج فى أمور الدين، لا يمنع من ملاحظة أنهم كانوا فى السياسة فصيلا ثوريا يزايد على الجميع، ولا يعجبهم العجب، فقاموا بالعديد من الثورات خلال فترة الحكم الأموى، وكانوا لا يحترمون حرمة الدماء، ولا يقبلون الحلول الوسط أبدا، بل يريدون كل شىء وإلا فلا، لذلك ثاروا بعد النهروان عدة مرات فى عهد على كرم الله وجهه.

إن صفات الخوارج تتوزع اليوم بين بعض الإسلاميين وبعض العلمانيين وبعض العوام، فترى بعض الإسلاميين يتنطعون فى أمور الدين كالخوارج، وتجد من المدنيين من يتطرف فى ثوريته بسذاجة وسطحية الخوارج، فتراهم دعاة دم، يخونون كل من يريد حقن الدماء، وترى العوام يصفقون لسفاكى الدماء قائلين «تسلم الأيادى»!

الخوارج لهم صفات دينية، وسياسية، واجتماعية، فانظر أين أنت منها.

الخلاصة.. كلهم خوارج يا صديقى، إلا من التزم المنهج الوسط فى الدين والسياسة والأخلاق.

المصدر : جريدة الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *