عمرو حمزاوى يكتب | أيضًا فى كأس العالم.. ديمقراطية

عمرو حمزاوى يكتب | أيضًا فى كأس العالم.. ديمقراطية

عمرو حمزاوي

لن أمل من مطالبة الرأى العام بالنظر إلى قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات كأولوية وطنية وضرورة لتقدمنا ولحاق مصر بركب الإنسانية المعاصرة.

لن أحدثكم اليوم عن الرابطة الإيجابية بين بناء الديمقراطية وبين تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. لن أحاول إقناعكم بأن احترام الحقوق والحريات وسيادة القانون وقيمة العدل يشكل خط الدفاع الأول عن الدولة وتماسك مؤسساتها والأمن القومى والسلم الأهلى والمواجهة الناجحة للإرهاب وللعنف وللتهديدات التى ينتجها محيط إقليمى مضطرب. لن أثقل عليكم بالإشارة المتكررة إلى فساد المقايضة السلطوية ــ الخبز والأمن نظير الحرية، ولا بالإشارة مجددا إلى خطر تهجير المواطن من المجال العام وإماتة السياسة كمنافسة سلمية وتعددية وقصرها على شبكات المؤيدين والموالين وهيمنة الصوت الواحد والرأى الواحد. لن أخاطب ضمائركم أن ترفض انتهاكات الحقوق والحريات المتكررة، وأن تتضامن مع ضحايا القمع والاعتقالات والتعذيب والأحكام المشددة، وأن تمتنع عن التورط فى إلحاق المزيد من الأذى بهم عبر إعطاء مصداقية لحملات التخوين والتشويه والتشهير التى تلحق بهم.

لن أفعل أيا من هذا، بل سأكتب لكم عن كأس العالم لكرة القدم وعن الدولة الديمقراطية المرجح أن تفوز به. فها هى النهائيات قد بدأت فى البرازيل منذ يومين، ومتابعتنا للمباريات المختلفة تسجل معدلات عالية على الرغم من عبء المشاهدة فى «انصاص الليالى».

طالعوا أسماء الدول الإفريقية التى تشارك منتخباتها الوطنية فى النهائيات، لتتثبتوا أنها وباستثناء الجزائر قد قطعت أشواطا جيدة على مسار بناء الديمقراطية والتأسيس لنظم حكم تخضع للمساءلة وللمحاسبة ــ فى المقدمة غانا وفى المؤخرة نيجيريا وبينهما الكاميرون وساحل العاج.

طالعوا أسماء دول أمريكا الجنوبية والوسطى الممثلة فى النهائيات وراجعوا تواريخها القريبة بين خمسينيات القرن الماضى واليوم، لتتثبتوا أنها جميعها وبدون استثناءات انتقلت إلى حكومات ديمقراطية تميل إلى اليسار أو إلى اليمين فى سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وتلتقى فى احترام حقوق الإنسان والحريات وتطبيق مبادرات للعدالة الانتقالية تكاشف / تصارح / تساءل / تحاسب عن ماضى انتهاكات الحقوق والحريات التى تورطت بها إما نخب حكم عسكرية قمعية أو حكومات مدنيين مارسوا الفاشية والاستبداد وأحيانا التطهير العرقى ــ ضد السكان الأصليين ذوى الأصول الهندية.

طالعوا بعيدا عن القارة الإفريقية والقارة اللاتينية أسماء الدول الآسيوية والأوروبية التى تشارك منتخباتها الوطنية فى نهائيات البرازيل، لتتثبتوا أن فقط جمهورية روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تحدث بهما انتهاكات منظمة ومستمرة للحقوق وللحريات ولسيادة القانون بينما تواصل الدول الأخرى من كوريا الجنوبية إلى البوسنة والهرسك تطورها الديمقراطى واحترامها لكرامة الإنسان.

للأسف لم تبلغ مصر نهائيات كأس العالم ٢٠١٤، إلا أن مشاركتنا كانت ستعنى رفع عدد الدول غير الديمقراطية إلى أربعة ــ مع الجزائر وروسيا وإيران ــ وتخصم دولة من رصيد الديمقراطيات ــ غانا التى واجهناها فى المحطة الأخيرة للتصفيات الإفريقية. جميعا شعرنا بشىء من الحزن لغياب مصر عن كأس العالم (أتابع دورات كأس العالم منذ ١٩٧٨ ولم يحضر منتخبنا الوطنى إلا فى دورة ١٩٩٠ فى إيطاليا)، إلا أن الحزن الحقيقى سنشعر به ونحن نتابع مباريات منتخبات دول كبيرة وصغيرة جاءت من كل أرجاء الأرض ويجمعها احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات بينما مصر تشهد انتهاكات متكررة تعصف بسيادة القانون ولا تقف طويلا أمام مقتضيات الكرامة الإنسانية.

بحسابات كرة القدم والمستويات المعروفة للمنتخبات المشاركة فى نهائيات البرازيل، لا تملك الدول غير الديمقراطية الثلاثة الممثلة ــ أى الجزائر وروسيا وإيران ــ فرصا حقيقية للفوز بكأس العالم. المرجح، إذن، أن دولة ديمقراطية ستفوز بالكأس وربما فعلتها غانا وأسعدتنا جميعا كمنتمين للقارة السمراء العظيمة يشعرون بالفخر بالنموذج الديمقراطى والتنموى المتطور الذى تقدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *