عمرو خفاجى يكتب|نظرية ٢٤ يناير

عمرو-خفاجى

كثيرون عادوا إلى مصر فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير، على اعتبار أن مصرهم عادت إليهم، منهم من كان يعمل فى دول عربية، وآخرون كانوا فى شبه هجرة فى بلدان أوروبا وأمريكا وكندا، كان الأمل يقف على باب مصر، فسبقه هؤلاء وانتظروه فى الداخل، فلم يأت إليهم، بعضهم ينتظره حتى الآن، لكن غالبيتهم عادت من جديد إلى حيث أتوا، وآخرون كانوا مستقرين آمنين راضين، يأسوا من تحسن الأحوال فبدأت حركات هجرة وسفر غير مسبوقة لم تشهدها مصر من قبل، حتى إن كثيرا من الدول أوقفت منح تأشيرات دخول للمصريين، ولم يعد مدهشا إعلان شباب فى مقتبل حياته عن رغباته العارمة فى البحث عن أى فرصة عمل خارج البلاد، هذا الفريق يتعاطى مع ما يحدث فى مصر، أنها بلد بلا مستقبل، الظلام يحوطها من كل جانب، حاضر غامض غاضب، لا يلوى على شىء سوى فسح الطرق أمام الغل والانتقام، ودون أن نخجل، بدت إيماءات وإشارات واضحة تصب جام غضبها على الثورة والثوار، ولعنات على اليوم الذى انزلقت فيه البلاد لهاوية الفوضى، وبدأ حديث واضح منحاز لما كانت عليه البلاد قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، مع أمنيات بعودة التاريخ إلى الوراء إلى ٢٤ يناير من ذات العام.

طبعا لا يمكن أن نجرم هؤلاء ولا حتى نستطيع لومهم، على ما يفعلون أو يقولون، لأن المشهد العام فى مصر، بالفعل، طارد للأمل غير باعث عليه، المشهد بكل عمومياته وتفصيلاته، واللحظة التى نعيشها، لا يمكن أبدا أن تكون نتاج ثورة عظيمة مثل ثورة يناير، أو على الأقل اللحظة لم ترد أبدا فى خيال الذين تركوا حيواتهم المستقرة الناجحة الآمنة فى الخارج، من أجل مصر مختلفة كانت تداعب خيالهم طوال سنوات غربتهم، والشجاعة تقتضى أن ننصف ما ذهب إليه هؤلاء فهو واقع لا نستطيع تجميله، ولا يبقى لنا سوى مواجهة هذا الواقع ومحاولة فهمه، ودراسة الأسباب التى أدت إليه، فلم تكن أحلام المصريين الذين شاركوا فى الثورة أو دعموها، أو حتى رحبوا بها، أن يصلوا إلى الإحساس بتمنى ما كان قائما قبلها، لكن الذى لا يصح أبدا التسليم بهذا المنطق رغم وجاهته، ورغم رداءة الواقع الذى نعيشه، خاصة اختفاء الأمل من المستقبل (المستقبل القريب على الأقل)، وهذا ما يشعر به الناس فعلا.

صحيح، أن الوضع لا يمكن قبوله، ولا الترحيب به جائز أيضا، وتبديله بات ضرورة على الجميع أن يتكاتف من أجلها، لكن فى ذات الوقت علينا أن نقول بشجاعة لهؤلاء، إن ما نحن فيه اليوم لم تسببه الثورة بالأساس، ربما يكون نتاج أخطاء المسار أو ناتج عن غياب المخلصين، وربما أيضا يكون من نتائج الصراع الذى شهدته البلاد خلال العامين الماضيين بين القوى السياسية التى عاشت وتربت فى كنف أنظمة مستبدة، تحاورت معها طويلا واستكانت لها كثيرا، وربحت منها قليلا، لكن الأكيد أن السبب الرئيسى الذى أوصلنا لما نحن فيه اليوم هو نظام ما قبل ٢٥ يناير، فتفاعلات سنواته الثلاثين لا يمكن أن تنتج سوى ما نعيشه اليوم، ولا يمكن لأى ثورة أن تمحو خطايا سنوات ثقيلة بسهولة كما اعتقد البعض، لكن شجاعة أخرى تقتضى أن نقول أيضا، أن نظام مبارك وحزبه الوطنى لا يمكن أبدا أن يكون مسئولا عن غياب الأمل فى أيامنا هذه، فالأمل المفقود وراءه كل رجال ما بعد ٢٥ يناير الذين أرادوا حقا التخلص من مبارك، دون أى رغبات حقيقية فى التخلص من أدوات حكمه، فقط كانوا يريدونها بين أيديهم لمواجهة خصومهم مثلما كان يفعل، وكل هؤلاء الذين كانوا يريدون التخلص من مبارك وزمانه، ويستخدمون أدواته لا يمكنهم أبدا حب الثوار أو الانحياز للثورة لأن الثورة كانت ضد مبارك وضد كل أدواته ولهذا هم يكرهونها ولو قالوا وهتفوا بغير ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *