عمرو خفاجى يكتب | السلطوية الناعمة

عمرو خفاجى يكتب | السلطوية الناعمة

عمرو-خفاجى

قبل ثلاث سنوات، كانت طلبات القوى المدنية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى كان يدير شئون البلاد فى ذلك الوقت، تأجيل العمليات الانتخابية لعام أو عامين، حتى تستطيع التواصل مع الشارع، باعتبار أن نظام مبارك حرمها منه لفترات طويلة، بينما كان نفس النظام يسمح للقوى التابعة لتيارات الإسلام السياسى بذلك تحت أغطية مختلفة وعناوين اجتماعية، بلا أى تضييق (وغالبا هذا ما يحدث حتى الآن)، فماذا فعلت قوى التيارات المدنية، فى الشارع، بعد ما يقرب من سبع دعوات عامة للتصويت، ما بين استفتاءات على دساتير وانتخابات رئاسية وتشريعية، تقريبا، هم فى نفس المأزق الذى كانوا فيه قبل ثلاث سنوات، فقط غياب جماعة الإخوان، وحل بدلا منه الحزب الوطنى، لتتعالى صرخات قيادات هذا التيار من جديد بأن قانون الانتخابات النيابية الجديد سيعيد الحزب الوطنى للبرلمان، وهو ما يعكس حالة الضعف الدائمة لهذا التيار الذى لم يتحرك جديا فى الفترة الماضية لتدعيم موقفه فى الشارع خاصة بعيدا عن العاصمة والمدن الكبرى.

كان التيار المدنى بمعناه الواسع والعريض، قادرا على الإجابة عن كل أسئلة الثورة، يحشد جيدا فى الميادين، يعرف كيف يصوغ شعارات وحدته، ورسالته العامة للجماهير من أجل دولة مدنية عمادها المساواة والمواطنة، وغالبا نجح فى ذلك واستطاع مواجهة إرهاب قوى الإسلام السياسى، لكن حينما تأتى أسئلة الانتخابات، يتراجع هذا التيار تماما، ويرتبك، وينحرف عن المسار الجماهيرى بسرعة مذهلة، ويظل يشتبك مع السلطة، أى سلطة، بعيدا عن أرض المعركة الحقيقية وسط الناخبين، ومن المؤلم حقا ألا يتعلم هذا التيار من دروس الماضى القريب، ولا يحرك ساكنا فى اتجاه الطريق نحو الجماهير، ويظل فى حالة خصام مع الشارع، وأحيانا يبدو متعاليا عليه، عاجزا عن التواصل معه، وهو ما يدفعنا لمراجعة سنوات ما قبل الثورة، للبحث عن أسباب أخرى لانعزاله، بعيدا عن مكائد النظام الحاكم.

التحالفات التى تدور الآن على الساحة السياسية بين مختلف القوى المدنية، لا تنبئ أبدا بظهور طبقة سياسية جديدة تستطيع أن تكون ظهيرا للحاكم، أو يمكن أن تشكل أركان نظامه، وغالبا تسير الأمور مجددا، لظهور طاقات فردية إلى جانب فئة مخلصة وموهوبة من التكنوقراط، وهو ما يعنى تعطيلا لدوران حركة السياسة، ووأد الفكرة الحزبية وحظوظها فى الحكم، مما يعنى إجمالا، الابتعاد عن الديمقراطية الحقيقية، والاكتفاء بشكليات وآليات، تدعم، خارجيا، شكل النظام ومرجعيته العصرية، بينما بالضرورة، ستكون السلطوية سيدة الموقف فى الداخل، بحثا عن تنمية مفاجئة تمنح شرعية إجبارية للنظام الجديد، وربما سيكون التحسن الوحيد فى جوهر النظام الحاكم، أن السلطوية ستكون ناعمة بعض الشىء، أو أقل خشونة مما اعتدنا عليه، وهذا كله لا يصنع التغيير الذى طلبته الثورة، وهذا بالضبط مأزق التيارات المدنية وهى مقبلة على الانتخابات النيابية، فهل لها من مخرج؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *