عمرو خفجى يكتب | عزازى

عمرو خفجى يكتب |  عزازى

عمرو-خفاجىفى بداية سنوات الثمانينيات، لم يكن يتصدر مشهد معارضة النظام الحاكم فى ذلك الوقت سوى قوى اليسار بجميع أطيافه ومرجعياته، وللحق كانت ميزة شباب اليسار شجاعتهم فى مواجهة بطش السلطة، وثباتهم على رفض التعاون مع الكيان الصهيونى، وربما هذا ما دفع مبارك وأركان نظامه إلى وقف عمليات التطبيع مع إسرائيل، ومساندة ودعم القضية الفلسطينية لدرجة غير متوقعة، على الأقل من الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت تعتقد برعايتها لاتفاقية السلام أن الأمور ستسير على هواها، وأن المنطقة ستصبح كما رسمت وخططت، ويكفى أن نشير إلى أن مبارك، فى ظل ضغوط شباب اليسار، لم يذهب لإسرائيل خلال سنوات حكمه الطويلة إلا مرة واحدة مضطرا للعزاء فى وفاة رئيس وزرائها إسحاق رابين بعد اغتياله على أيدى متطرفين يهود، وكانت الظروف الدولية تقتضى ذلك، كما أن مبارك، خلال سنوات حكمه الطويلة، لم يحافظ على وجود سفير فى تل أبيب، وأبعد سفير الكيان الصهيونى لدينا، أكثر مما أبقاه، وكان عزازى على عزازى واحدا من هؤلاء الشباب الذين تقدموا الصفوف لرفض التطبيع والضغط على النظام لدعم كل ما هو فلسطينى فى السنوات الصعبة التى أعقبت التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.

فى سنوات حكم مبارك الأولى، كان الاستبداد هو الأساس، وكانت معارضته هى الاستثناء والندرة، وكان هذا النطام ينكل بمعارضيه بكل سهولة ويسر، لكن شجاعة شباب مثل عزازى على عزازى ساهمت كثيرا فى خلق مسارات مغايرة لمقاومة بشاعات النظام، ويكفى أن نشير إلى أن هذا الرجل أخذ على عاتقه قضية الشهيد سليمان خاطر ولم ينسها لحظة واحدة، من موقف المعارض المتعاطف إلى شغله موقع محافظ الشرقية اللذين جمعهما الانتماء إليها، كان المذهل حقا فى هذا الرجل تواضعه وعدم رغبته فى الحصول على أية مكاسب شخصية، وإخلاصه للقضية الوطنية، وانحيازه للفقراء فى جميع تفاصيل حياتهم، حتى إن ما اعتبره البعض سذاجة من عزازى وقت شغله منصب المحافظ، كان إخلاصا لمن ينحاز إليهم، حيث عمل بجد وهمة من أجل توفير وظائف لآلاف من شباب المحافظة، باعتبار أن هذا حقهم، وذلك واجبه.

حينما تولى محمد مرسى مقاليد الحكم، سارع عزازى للتقدم بالاستقالة من منصبه، الذى كان يتمناه كثيرون، فهو لا يمكن أن يكون جزءا من نظام يعارضه ويرفضه وحارب كثيرا ضده، ويعترض على جميع سياساته، ليعود مجددا فى موقع المعارض بحثا عما يتمناه من حياة يستحقها ناسه كما كان يردد دائما، فى حين ناور كثيرون من أحل الاحتفاظ بمناصبهم فى ظل حكم الإخوان.

فى مطلع الشباب، تزاملت مع عزازى فى سكن لبعض الوقت فى ظروف عصيبة، كنا ثلاثة، كان أروعنا وأكثرنا حكمة ونشاطا، يركن السياسة ويتناقش فى الصحافة والكتابة والأدب الذى نال فيه بعد ذلك درجة الدكتوراه بامتياز، فى زمالة السكن كان أخا أكبر وناصحا أمينا وإنسانا بديعا شجاعا، كان صاحب المسكن اسمه «عم أصيل» رجل مسن يخاف كل شىء بما فى ذلك شروق الشمس وغروبها، وحينما سألنا عن سر غربتنا ولماذا لا نغادر المنزل إلا فيما ندر، خاف عليه عزازى وقررنا مغادرة المسكن، ونحن على باب البناية التى كانت مخفية فى حى مصر القديمة، سمعنا الرجل (عم أصيل) يخاطب عزازى بصوت عال من سطح البناية هاتفا: مع السلامة يا أصيل. فقد اعترف له عزازى باحتمال تعرضه للأذى بسبب سكننا لديه، فبكى الرجل وتشجع وقرر استكمال استضافتنا، لكن عزازى قرر إعفاءه من مهمة شاقة عليه.. رحم الله عزازى على عزازى فقد كان بالفعل أصيلا فى كل شىء.

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *