عمر طاهر يكتب | ضبط زوايا الكراهية «من المفكرة»

عمر طاهر يكتب | ضبط زوايا الكراهية «من المفكرة»

عمر طاهر

لم تكن مشكلتى يومًا فى (أنت محسوب على مين؟)، فاحتساب شخص على جهة أو طرف أو اسم معين أمر لا يمكن التعامل معه على إطلاقه. وكونك عملت ضمن نظام مبارك أو كنت ثائرًا أو تعاملت مع الإخوان، كل هذا لا يعنى شيئًا كثيرًا ولا يمكن اعتباره حكما نهائيا. ما يشكل فارقا حقيقيا هو الطريقة التى تدير بها أفكارك، منطقك فى اختيار الجهة التى تم احتسابك عليها، تفاصيل تجربتك مع هذه الجهة، كل هذه أمور يجب أن نأخذها فى الحسبان.

قد أحسبك على نظام مبارك شكليا، لأن الظروف جعلتك تتولى مسؤولية أو مهمة تحت مظلة هذا النظام، فكيف تعاملت معها؟ وهل حسب الله الكفراوى مثل محمد إبراهيم سليمان؟ وهل أحمد رشدى مثل زكى بدر؟

الفكرة فى: كيف تصرفت داخل إطار العمل مع هذا النظام؟ كيف كانت مواقفك؟ إلى أى درجة كنت تعى الفساد؟ وإلى أىِّ درجة كنت تكافحه أو تندمج معه؟ هناك إعلاميون برزوا وتألقوا خلال فترة مبارك، يجب أن نفرق بين من يحاول أن يجد لنفسه ثغرة يدخل منها إلى الناس مع بعض الهواء النقى، وبين إعلامى أو إعلامية يقف يدير الندوة بأن يجمع أسئلة من جمهور الندوة، يحملها إلى جمال مبارك ليجيب عنها، من الذى فتح أحضانه للفساد ووجد ضالته فيه؟ ومن الذى كان يحاول أن يتفادى هذه الأحضان قدر استطاعته؟

قد أحسبك على الثورة، لكن هل يستوى من انحاز إلى الهياج الجماعى بمن انحاز إلى صوت العقل تحت مظلة الثورة نفسها؟ هل يستوى من كانت الثورة هى أسلوب حياته من قبل أن تهل بشائرها بأعوام مع شخص أصبحت الثورة أسلوب حياته، لأنه وجد فيها مناسبة لأكل العيش وركوب الموجة؟ هل يستوى من دافع عن الأفكار الأصيلة للثورة، وعلى رأسها الحرية، بمن كان ديكتاتورًا فى استخدام الحرية التى خلقتها الثورة؟ وهل يستوى من احترم إرادة الشعب حتى لو خالفت معتقده، لأن الثورة فى النهاية لصالح الشعب، بمن هدد الشعب بالتكدير إذا ما خالف رغبته التى يؤمن أنها الثورة بعينها؟

هل يستوى مَن خرج مِن الجحور على حس الثورة بمن ثار ليخرِج الناس من جحورهم، ثم ابتعد عن المشهد بعد أن أفسده الجميع؟

مددت يدك وتعاونت مع الإخوان، سواء بالتعاون فى الانتخابات أو بقبول منصب فى عهدهم، أو حتى بعصر الليمون، هل انتهى المشهد فأقيِّمه وأنا مستريح الضمير؟ بالعكس، كان هذا هو أول خيط فى المشهد، لكن التقييم يجب أن يبدأ بعد انتهاء التجربة، هل كنت تخدم الإخوان أم أنك تخدم بلدك فى ظل معتقد وطنىٍّ ما؟ (حتى لو أثبتت الأيام خطأه) وبعد أن استقرت أقدامهم، هل كان واضحًا لك ما يفعلونه أم كنت مغيَّبًا؟ وإذا كان واضحا لك، فهل تماديت معه ودافعت عنه فى دفاعٍ عن وجودك ومصالحك، أم أنك قررت أن تسحب يدك من أياديهم؟

حتى تقييم المؤمنين بفكر الإخوان لا يمكن أن يتوقف عند كارنيه عضوية الجماعة، فانظر لمن انسحب ومن ابتعد ومن اعترض ومن عارض ومن أعمل مخه ومن قرر أن لا يسير مع القطيع، وهو يرى القطيع يقود نفسه ومن حوله إلى الهاوية.

ما أسهل الإعدام بـ«هذا كلام إخوان» وهذه «نظرة فلول مبارك» وهذه «طريقة نكسجية 25»، لا بد لنا فى هذه الفترة من أن نعيد التقييم والتمييز لنستعيد كنوزًا بشرية حقيقية ورموزًا ردمناها تحت تراب مراهقة سياسية غاشمة، أعرف أنها صعبة على حضرتك والظروف من حولك تزنّ فوق رأسك لاتباع هذا المنهج، لكن إن لم تكن قادرًا على تطبيق الفكرة على مستوى رموز المجتمع فطبِّقها على الأقل على رموز حياتك الشخصية لتعيد إليها من نفيته عنها لأسباب سياسية.

الشخص السليم يظل سليما مهما وضعتْه يد التجربة أو وجهة النظر فى أماكن مختلفة، أو كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الدستورالاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *