عمر طاهر يكتب | طوبة فوق طوبة وابنى مُخالف

عمر طاهر يكتب | طوبة فوق طوبة وابنى مُخالف

عمر طاهر

صحيح أن مخالفات الإنشاء أصبحت أمرا واقعا كَبُر فى غفلة من الدولة (مش غفلة قوى يعنى)، يعنى الدولة القادرة على تتبع مكالمات هاتفية للتنصت عليها ليس معقولا أن يكبر مبنى مخالف من عشرة أدوار فى غفلة منها. بصراحة إذا فتَّشتَ فى الموضوع ستجد الدولة شريكة فيه وليست مجرد شريكة بـ«الغفلة» بالمناسبة، ولكن إذا فتشت عن وجود تواطؤ فحتمًا ستجده، المهم أن المخالفات أصبحت أمرا واقعا لكن هذا لا يبرر التصالح، فأنت هنا تصالح الفاسد وتعاقب المجتمع كله.

أولا، مصطلح «المصالحة» نفسه مصطلح فاسد، بخلاف أنك تعاقب المخالف على دورين أو ثلاثة زيادة، لكنك لا تعاقبه على إفساد خطة الحياة، وهى الخطة «المتلصّمة» أصلا، أو كما كتب أحد الأصدقاء على «فيسبوك»: «ليست الفكرة فى سرقة دورين ثلاثة، الفكرة أنك تسرق حق أهل المنطقة كلهم فى أن ينعموا بالخدمات بشكل سليم، بأن تضاعف بالمخالفة حجم الاستهلاك المقرر سلفًا للمنطقة، وبعدها تشكو من انقطاع الكهرباء وانفجار مواسير الصرف الصحى وانقطاع الماء».

تعاقبه على دورين ثلاثة، ولا تعاقب إدارة محلية كانت غافلة حتى أصبح الكابوس حقيقة. لا تعاقب إدارات هندسية لم تتتبَّع هذا الفساد، ولا مباحث كهرباء تكاسلت عن مطاردة سارقى الإنارة العمومية لصالح المبانى، ولا تعاقب إدارة مياه سمحت بالسرقة، ولا إدارة شهر عقارى سمحت بتوثيق شقق فى عقار مخالف.

تعاقبه على دورين ثلاثة بتحصيل غرامة هى نسبة من قيمة الإنشاءات المخالفة، وتركت أمر تقدير قيمة المخالفة لـ«لجنة»! تانى تفتح بابا للفساد، تفرض قانونا وتترك معايير تطبيقه لمن أسهم فى الكارثة أصلا، يعنى الإدارة الهندسية التى كانت غافلة أو متغافلة عن الكارثة أصبحت الآن هى الحَكَم فى قيمة الغرامة عن طريق «لجنة»، ومقابل كل موظف شريف سيكون مشغولا بحق الدولة سيكون هناك ثلاثة موظفين مشغولين بحق «الشاى».

يقول البعض إن التخلص من المخالفات صعب وخسائره أكبر من منافعه، فالأرض الزراعية التى تم البناء عليها لن تعود أرضا زراعية من جديد، لكن لو الدولة محترمة لأزالت البيت وألزمت صاحب الأرض الذى جرَّفها بتقديمها للدولة لتقام عليها مدرسة أو وحدة صحية أو مقر محو أمية أو مكتبة عامة أو حتى دار مناسبات للمنطقة (أى تعويض للمجتمع)، أو فليكن حبس من قام بالجريمة واقتطع مساحة من قوت المصريين تجريفا ليقيم عمارة مخالفة يستطيع أن ينجو بها مقابل مَنْح الدولة بضعة آلاف من الجنيهات. يقول البعض إن هدم العمارات المخالفة سيرفع قيمة الإيجارات وأسعار الشقق، لأنه سيقلل حجم المعروض، وهنا أنت لا تنظر إلى جريمة أخرى، وهى أنك بالفساد ضربت تجارة قائمة، وبمبانٍ مخالفة خربت بيت أصحاب مشروعات سليمة وحلال.

تتصالح الدولة مع الفاسدين، بل وتصدر من أجل ذلك قوانين رسمية، تتصالح مع مَن شوَّه ونصب وسرق وغشَّ واحتال، لكنها تجد من المستحيل أن تتصالح مع شباب خرجوا فى مظاهرة وكل طموحهم وطن لا يحدث فيه كل ما سبق، أو حتى ما يشبهه، ولكن إذا صالحوا الشباب طيب اللجنة هتاكل عيش إزاى؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الدستور الاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *