فهمى هويدى يكتب | التفويض سقط

فهمى هويدى يكتب | التفويض سقط

فهمى-هويدى

فهمى هويدى وسط اللغط والبلبلة التى أحاطت بقراءة المشهد الانتخابى وقعت على شهادة لخصت ما جرى كتبها على صفحته فى الفيس بوك أحد القضاة الذين أشرفوا على العملية. القاضى هو المستشار أحمد عطية أبوشوشة، الذى كان مشرفا على لجنة فرعية بقرية الغرباوى التابعة للمحمودية فى محافظة البحيرة. وكان عدد المقيدين بها 2108 ناخبين. ولأنها كانت اللجنة الوحيدة بالقرية فقد قصدها الجميع، ومن ثم يمكن اعتبارها نموذجا لعينة مجتمعية متكررة فى القرى المصرية. حسب روايته فإنه فى اليوم الأول للتصويت حضر مندوب ووكلاء المرشح الأول عبد الفتاح السيسى، ولم يظهر أى أثر لمندوب المرشح الثانى حمدين صباحى طول العملية الانتخابية. يومذاك استقبلت اللجنة 331 شخصا فقط يمثلون 16٪ من المقيدين تقريبا، وكان أغلبهم من النساء وكبار السن. الصورة صدمت ممثلى المرشح الأول. وهو ما كان له صداه فى التحرك السريع الذى بدأ فى اليوم الثانى. «إذ صرنا نسمع مكبرات الصوت وهى تتجول بالقرية داعية الناس للتوجه إلى المشاركة فى التصويت. وسمعت مصادفة أحد مفتشى وزارة الأوقاف يأمر شيخ مسجد القرية فى اتصال هاتفى بضرورة حث المواطنين من خلال مكبرات صوت المسجد للتوجه إلى لجنة الانتخابات بعد صلاة العصر. ولاحظت أن الوكيل العام لحملة المرشح الأول أجرى اتصالا مع مندوبه باللجنة، أبلغه فيه بأن المحافظ قام بتوبيخه بسبب تقصيره فى حشد المواطنين للتصويت». لم تغير العطلة الرسمية التى أعلنت فى اليوم الثانى كثيرا من الموقف لأن التحرك الذى تم دفع بأعداد أكبر إلى مقر اللجنة، الأمر الذى أوصل عدد المصوتين فى ذلك اليوم إلى 472 ناخبا، بنسبة حوالى 22٪ من المقيدين، لتصبح حصيلة اليومين 803 أصوات بنسبة 38٪ من مجموع المقيدين بالجدول.

المفاجأة حدثت فى اليوم الثالث، حين أعلن أن المتخلفين عن التصويت ستوقع عليهم عقوبة الغرامة التى تصل إلى 500 جنيه. وهو ما دعا كثيرين للمسارعة إلى التصويت، الأمر الذى أوصل العدد إلى 986 فردا فى نهاية النهار ورفع نسبة المشاركة إلى 46.77٪. وقد حصل المرشح الأول (السيسى) على 942 بنسبة 95.5٪. أما المرشح الثانى (صباحى) فقد حصل على 19 صوتا فقط بنسبة 2٪. ولم يكن هناك أحد يمكن تسليمه نتيجة الفرز سوى مندوب المرشح الأول.

فى رأى المستشار أحمد شوشة أن تفاصيل المشهد تحتاج إلى دراسة تدقق فى دوافع المواطنين إلى التصويت. الذين لم يحركهم سوى التهديد بالغرامة. كما تلاحظ غياب القوى المدنية التى لا أثر لها خارج المدن. وهو غياب يشمل الأحزاب السياسية أيضا.

الشهادة تسجل بوضوح ثلاثة أمور، أولها أن الحماس للمشاركة كان محدودا فى البداية. وثانيها أن جهدا خاصا لرفع نسبة المشاركين فى التصويت. وهذا الجهد أسهمت فيه كل أجهزة الدولة من محافظين سيروا السيارات المجانية ومكبرات الصوت، ووزراء وظفوا المساجد وأئمتها. الأمر الثالث أنه فى حين حضرت السلطة وأكدت انحيازها إلى المشير عبدالفتاح السيسى فإن المرشح الثانى لم يكن له وجود، كما أن قوى المجتمع المدنية السياسية كانت غائبة وخارج المشهد.

إذا صح ذلك فقد يعنى أننا نلجأ إلى الانفعال ونبالغ كثيرا إذا قلنا إن الجماهير العريضة زحفت على اللجان، أو أن شعبية المشير السيسى جارفة أو أن ثمة اكتساحا وجه ضربة قاضية للمرشح المنافس. ليس لدى أى شك فى فوز المشير السيسى بالأغلبية سواء لتقدير قطاعات واسعة من الجماهير لدوره وشخصه أو من جراء المساندة القوية التى قدمتها له أجهزة الدولة أو لضعف منافسه أو لغياب المفهوم الحقيقى للمعركة. كما أننى أتفهم مشاعر الذين عبروا عن تأييدهم له بالهتاف والغناء والرقص وغير ذلك. لكن ذلك كله لا يعنى أن ثمة اكتساحا حدث، لأن نسبة التصويت العالية لم تتوافر إلا بعد استخدام «المقويات» و«المنشطات» ممثلة فى مختلف عناصر الترغيب والترهيب التى سارعت أجهزة الدولة إلى تقديمها. ولا يعنى ذلك بحال أنه بدون اللجوء إلى تلك المقويات والمنشطات كان يمكن أن تتغير النتيجة لصالح المرشح المنافس، لأن الجميع كانوا يعرفون أنه من البداية كان خارج المنافسة. لكن غاية ما يعنيه أننا بصدد فوز ينبغى أن يقدر بقدره، وليس اكتساحا يبالغ فى قدره.

أفهم أن تلجأ الأبواق الموالية إلى النفخ فى الحدث والمبالغة فى التفوق سواء للتأكيد على أن الوضع المستجد له شعبية تفوقت على تلك التى حازها الإخوان، وتلك مقارنة ترددت كثيرا. وربما أراد النافخون فى الصورة توجيه رسالة إلى المراقبين فى الخارج توحى بتنامى القبول الشعبى ورسوخ التمكين. إلا أن خطورة تلك المبالغة تكمن فى تصديقها. ومن ثم انعكاساتها على أداء الرئيس الجديد فى الداخل. إذ قد يقتنع بحكاية الاكتساح ويتصور بناء عليه بأنه أعطى تفويضا جديدا على بياض للتصرف فى الشأن الداخلى بدعوى أنه لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس. إذ طالما جاء بإجماع واكتساح شعبى فكلمته هى كلمة الشعب، ولا راد لكلمة الشعب. وهى الادعاءات والأغاليط التى تروج للمنظومة الخطرة التى تنتج لنا فى نهاية المطاف فرعونا جديدا مطلق اليد، وليس بحاجة لأن يسمع لصوت آخر.

إننا إذا أردنا أن نقرأ رسالة ما جرى فى الانتخابات بأمانة وصدق فينبغى أن نخلص منها إلى أن فوز الرئيس الجديد لا يعطيه توقيعا على بياض فى إدارة البلد. ليس ذلك فحسب، وإنما يعنى أيضا أن التفويض الذى تلقاه المشير يوم 26 يوليو الماضى قد انتهى أجله وسقط سياسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *