محمد فتحى يكتب |كيف خسرنا الناس؟

محمد-فتحي

لماذا نلوم الناس على أخطائنا؟؟ ولماذا لا نحترم اختيارهم بدلاً من أن نُسفّه منه ومنهم؟؟

هل تعرف يا صديقى.. المشكلة لم تكن أبداً فى الناس.

المشكلة فينا إحنا.

المشكلة أنه بعد ثورة عظيمة، وبدلاً من أن نبنى، صار الهتاف الموحد هو: يسقط يسقط.

كانت الثورة فى حاجة لرصيد يعينها على من يكرهها خلال الثمانية عشر يوماً الأجمل والأنبل فى العقود الأخيرة، واكتسبت بالفعل هذا الرصيد من تعاطف الناس مع من سقط شهيداً مضرجاً فى دمائه من أجل وطن أفضل، ثم نزل الجميع ليحتفل بها فى الميدان، حتى هؤلاء الذين هاجموها فى البداية.

كان رصيد الثورة كبيراً لديهم، ثم تفننا فى إضاعته.

نحن الذين دخلنا فى لعبة التصنيف القذرة، ليصنف كل من له رأى مخالف على أنه فلول، ويحدث له إقصاء كان لا بد أن نستبدله باحتواء من يريد أن يبنى وليس من يريد أن يصفى الحسابات.

وقعنا فى الفخ حين فضلنا الانتقام على المصارحة والمصالحة التى تتبع العديد من الثورات، ثم تكفل الجميع بخراب مصر بدلاً من (كلمة سواء)، لأن كلاً منهم أرادها مصر (بتاعته) وليس مصر التى تحتضن الجميع.

دخلنا فى تحالفات خاطئة، وخناقات تافهة، ظناً منا -وليس كل الظن إثماً- أن البلد من الممكن أن يبنى (على نضافة)، لكن الجميع دائماً كان يتجاهل الطرف المهم والأقوى فى المعادلة..

الناس..

الناس البسيطة التى تريد أن تأكل وتشرب وتنام آمنة، بعيداً عن ألعاب السياسة القذرة، وخناقات نخب الفضائيات، وإسهال مليونيات القوى الثورية التى ابتذلت الميدان ومعناه حتى كرهه الجميع، ولم يصبح بيتاً حقيقياً للثورة.

أراد الناس من يطبطب عليهم فإذا بالجميع ينساهم أصلاً، ولذلك كره الناس الجميع. وكيف لا يكرهونهم وهم الذين تعالوا عليهم دائماً، وأرادوهم (محللاً) للوصول إلى الكرسى؟؟؟

ثم إذا خسر أحدهم شيئاً سخر من الناس، وشتم الشعب، وسفه من اختياراته.

نحن الذين لا نتقن السياسة، ربما لأنها أقذر منا، وربما لأن بيننا من هو أقذر منها شخصياً، ومع ذلك نريد بناء وطن بحجم حلم يتحول كل يوم إلى كابوس!!

نحن الذين نتكلم أكثر مما نفعل، ونردد بين الحين والآخر أن اليأس خيانة، لكننا نتسبب لأنفسنا ولغيرنا بإحباط واكتئاب بسبب عدم قدرتنا على فعل شىء محترم من أجل هذا البلد، وإنما المشاركة فى الخناقات التى لن تنتهى أبداً، والتى ستستمر حتى يطلب الناس أنفسهم أن يسحق أحد أطرافها الآخر تماماً، ووقتها سيتم السحق بلا رحمة، ويصفق الجميع لإنسانيتنا التى خسرناها ونزعناها بأفعالنا من قلوب الناس.

نحن الذين نحلم بوطن مثالى رغم أننا لسنا مثاليين بالمرة. نطلب أن يكون الجميع ملاكاً رغم أن أغلبنا شياطين. نتحدث عن (المفروض) ولا نلتزم بالمفروض علينا بحكم اللحظة، أو اتباع أى شىء يفض الخناقة بدلاً من أن يزيد اشتعالها، ثم إذا اختار الناس لُمناهم على اختيارهم.

إذا كنا قد فشلنا فى صنع البديل، فكيف نلوم الناس على الاختيار الذى أهديناهم إياه بفشلنا؟

نحن الذين لم نقدم نموذجاً لمرشح ثورى محترم يلتف حوله الجميع، ويتنازل من أجله الآخرون حتى لا يشتتوا الأصوات، كيف نجرؤ على تسفيه إجماع الناس على شخص مهما كنا نرفضه؟؟!!

نحن الذين خسرنا رصيد الثورة عند الناس بتعنتات غبية نريدها أن تكون كما نأمر وإلا فليذهب الجميع إلى الجحيم.

نحن الذين خسرنا رصيدها بوجوه ثورية تصدت لهدف نبيل بقلة أدب وسلوك صدامى مستفز. خسرنا الرصيد بفعل النخب التى تقفز من السفينة قبل الغرق، أو تختبئ انتظاراً للحظة انقضاض على الحلم.

خسرناه بسذاجتنا ونوايانا الطيبة التى لا تنفى نتيجة ما وصلنا إليه فى هذه اللحظة تحديداً، وهو أن الناس لم تعُد تحب الثورة، وعندهم حالة من الغضب لم يحتوِها أحد تجاه كل من يتحدثون باسمها، أو يطالبون بتحقيق أهدافها، ومن هنا نبدأ..

من الاعتراف بأخطائنا، مهما قست لحظة جلد الذات.

ومن الرجوع للناس.. فقط الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *