مشروع قانون الجمعيات الأهلية بين الانحراف التشريعي والعوار الدستوري

مشروع قانون الجمعيات الأهلية بين الانحراف التشريعي والعوار الدستوري

بقلم : إبراهيم عبد العزيز سعودي

ورقة عمل قدمت الى الحلقة النقاشية التي عقدتها ” محامون من أجل العدالة “

من المستقر عليه في الفقه الدستوري أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها الدستور يكون انحرافا بها عن غاياتها العامة إذاتناول هذه الحقوق بقصد تحقيق مصلحة خاصة لشخص بعينه أو جماعة بعينها وهو ما يطلق عليه شخصنة التشريع انحرافا به لمصلحة شخص طبيعي أو شخص معنوي .

وإذا كانت أزمة التشريع في مصر في النظام السابق الذي خرجت الثورة لإسقاطه كانت تتركز دائما في فكرة الانحراف بالسلطة التشريعية عن أغراضها العامة لتحقيق أغراض خاصة فيما عرف بحياكة القوانين (تفصيلها) حتى جرى على السنة العامة والخاصة لفظ ” ترزية القوانين ” في إشارة الى نفر من رجال القانون تخصصوا في صياغة النصوص التشريعية بما يتواءم ومصالح النظام الحاكم وتابعيه من الوجهتين السياسية والاقتصادية على حساب المصلحة العامة المجردة التي يتعين ان يبتغيها أي تشريع وكل تشريع .

ومنذ وصول جماعة الاخوان المسلمين للحكم واسئثارها بسلطة التشريع بمساهمة نفر من الجماعات الاسلامية الأخرى بدءا من مجلس الشعب المقضي ببطلانه وحله ومرورا بالجمعية التأسيسية المقضي ببطلانها واقرار دستورها وانتهاء الى مجلس الشورى المقضي ببطلانه مع استمراره في مباشرة سلطة التشريع مؤقتا ، لم تتغير سياسة تفصيل القوانين بل زادت وتفشت لتحقيق مصالح الجماعة حيث باشرت السلطتين التشريعية على نحو ما سلف والتنفيذية منذ انتخاب الرئيس الحالي اختصاصاتهما التشريعية من منطلق معاييرها الذاتية السياسة مستلهمة فى ذلك أغراضاً تقتضيها مصلحة الجماعة متنكبة مصالح الوطن .

ويأتي مشروع قانون الجمعيات الأهلية المقدم من رئاسة الجمهورية والمطروح على مجلس الشورى المؤقت لإقراه نموذجا صارخا للانحراف بسلطة التشريع وصولا لمصالح ضيقة للجماعة بعيدا عن مصالح الوطن والأمثلة على ذلك في مشروع القانون تجاوز العد والاحصاء فمن يطالع مثلا نص المادة الاولى من مواد الاصدار يجد أنها تنص على أنه : ” تلتزم الجمعيات والمؤسسات الاهلية والاتحادات المنشأة وفقا لأحكام القانون رقم 84 لسنة 2002 وما قبلها وكافة الكيانات التي تعمل في ميادين العمل الأهلي التي تتعارض نظمها الأساسية مع أحكام القانون المرافق أن تعدل نظمها وتوفق أوضاعها وفقا لأحكامه خلال عام من تاريخ العمل به ……… ” وهذا النص تضمن عبارة غريبة واشارة مريبة لم يسبق أن وردت في قانون أو تضمنها تشريع هي عبارة ” وكافة الكيانات التي تعمل في ميادين العمل الأهلي ” ومعنى ذلك أنه يستوى أن تكون هذه الكيانات قد نشأت وفق أحكام الدستور والقانون أو خروجا عليها في اشارة صريحة وواضحة الى الباس جماعة الاخوان المسلمين بذات حالتها القائمة وتنظيمها وأموالها وأعضائها لباسا قانونيا يضفى عليها شرعية كما هي ، سيما وقد صيغت كافة النصوص في المشروع لتلائم مقاسات الجماعة متحاشية ما يؤثر عليها أو يقيد أفكارها وفي المقابل عمدت الى تقييد من ينافسها أو يكشف ممارساتها في الحكم .

وجاءت المادة الثانية لتقرر المقصد في وضوح حين أكدت على استمرار هذه الكيانات ” الجماعة وأشباهها ” بذات أجهزتها التنفيذية والادارية في مباشرة أعمالها الى ان يتم اعادة تشكيلها خلال عام ….. ” ويتأكد الانحراف التشريعي وتغليب مصالح الجماعة على مصالح الوطن في المادة العاشرة والتي تحدد الأنشطة التي يحظر أن تكون من بين أغراض الجماعيات حيث تقلص الحظر الى امرين فقط هما حظر إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية ، وحظر استهداف تحقيق الربح .

وقصر الحظر على هذين الغرضين يفتح أبواب جهنم على البلاد والعباد بما يسمح باالسرايا ذات الطبيعة العسكرية (لا تزال قضية ميلشيات الأزهر حاضرة في أذهان الجماعة ) وبما يسمح بالأنشطة السياسية والحزبية بمفهومها الضيق المتعلق بممارسة أنظمة الحكم في الدولة فيختلط السياسي مع الاجتماعي مع الحقوقي مع الديني .

وبما يسمح بالأغراض ذات الطبيعة النقابية للسيطرة على النقابات .

وبما يسمح بالأغراض التي تميز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة وجميع ما سبق محظور بموجب القانون الحالي (المطبق حاليا م 11 ) .

فلأى غرض إذن يتم اباحة ما هو محظور ويتوجب حظره ، وما دوافع هذا العبث بأمن واستقرار الوطن ؟! ولم يقف الأمر عند حد الانحراف التشريعي بل يمتد الى العوار الدستوري لعدد من نصوص القانون المقيدة للجمعيات بالمخالفة لأحكام المادة تين 50 ، 51 من الدستور وبالمخالفة للمادة (20) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى تمت الموافقة عليه وإعلانهبقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10/12/1948، والعهد الدولى الخاص بالحقوقالمدنية والسياسية، والذى حظر -بنص الفقرة الثانية من المادة (22)- أن يوضع منالقيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التى ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية فىمجتمع ديموقراطى لصيانة الأمن القومى أو السلام العام أو النظام العام أو حمايةالصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرماتهم .

ففضلا عن استبعاد حقوق الانسان من ميادين عمل الجمعيات ووضعه في خبث واضح لواضع النص في اطار التنوير بها ، فقد استحدث مشروع القانون جهة رقابية حكومية تخفف في تسميتها فأطلق عليها مسمى اللجنة التنسيقية،مانحا إياها سلطات واسعة شبه مطلقة تعمل على تقييد عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية المنشأة وفقا لللاتفاقيات والمعاهدات الدولية بل ومما كان مطروحا في المشروع واستبعد لأغراض المناورة ليعود بعد ذلك عن طريق مجلس الشورى قبل اقرار القانون اشتراك الأجهزة الأمنية في عضوية هذه اللجنة بصورة رسمية .

ومن الملاحظ بطبيعة الحال أن هذه المنظمات هي الخطر الأكبر و المنافس الوحيد في التنظيم والتمويل لجماعة الاخوان المسلمين فضلا عن خطرها العظيم على الجماعة وهي تباشر سلطة الحكم ذلك أن هذه المنظمات تعنى في غالب ما تعنى بالمسائل المتعلقة بحقوق الانسان حيث تراقب مدى التزام هذه الجهات الأمنية والحكومية بمواثيق حقوق الإنسان ، وتعمل على توثيق انتهاكات الحريات التي يتعرض لها فضلا عن الانتهاكات الجسدية بالتعذيب والتصفية والاختفاء القسري وما شابه ، و من هنا ينبغي تقييدها عن طريق الأجهزة الحكومية كرقيب على المنظمات الحقوقية تمهيدا للتخلص منها حتى يكون النظام الحاكم لا رقيب عليه في هذا الشأن. ومن النصوص المريبة التي تثير التأمل فرض الرقابة على محتوى الكتب والنشرات والمجلات العلمية والفنية التي تستقبلها الجمعية من الخارج لتقدير ما اذا كان محتواها يتفق مع نشاط الجمعية ( م 13من المشروع ) وهي رقابة غريبة تحت سند عبارة فضفاضة .

كما يعد من النصوص المخالفة للدستور وضع قيد مالي على إنشاء المؤسسات الأهليةبما قررته المادة 40 من المشروع من تخصيص مال للمؤسسة عند إنشائها لا يقل عن 50 ألف جنيه بما يعد عقبة في انشاء المؤسسات الأهلية والتمييز بين من لهم الحق فيها وفق أسس مالية بما يقيد الحق الدستوري والمساولاة في الحقوق السياسية والاجتماعية .

ومن المخالفات الدستورية أيضا الاستمرار في تقييد تأسيس الجمعيات بعدد معين من الأعضاء (عشرة أعضاء ) على الرغم من أن الحق في تكوين الجمعيات يجوز بلا حد أدنى من الأعضاء بحسبا أن حق تكوين الجمعيات هو فرع من حق الاجتماع الذي هو الأصل في هذا الحق (م50 ، 51 من الدستور )
ذاك حد أدنى من المخالفات الدستورية التي شابت المشروع والتي قصرنا القاء الضوء على أهمها لخطورة وعجالة الأمر حيث يسابقون الزمن لتمرير القانون رغم قصوره في اندفاع غريب واصرار مريب

للتواصل مع الكاتب على تويتر
https://twitter.com/ibseoudi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *