ننشر حيثيات براءة المتهمين بتعذيب محامي المطرية

ننشر حيثيات براءة المتهمين بتعذيب محامي المطرية

قضت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة، ببراءة ضابطي الأمن الوطني في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”مقتل محامي المطرية”، وذلك في إعادة مُحاكمتهما بالقضية.

وقالت حيثيات الحُكم، إنه لما كان الجزاء الجنائي هو أخطر الجزاءات جميعها، تُصيب الناس في أرواحهم وأشخاصهم وأموالهم وكيانهم، فقد وجب الحرص الشديد والتحقق الكامل والوصول إلى اليقين القضائي الأكيد قبل إصدار الحكم بإدانة الإنسان.

وأضافت الحيثيات، أنه يترتب على هذا الأصل أنه يضع عبء الإثبات الاتهام الجنائي على عاتق سلطة الاتهام، فإذا لم يقم الدليل على ارتكاب المتهم الوقائع المادية الإجرامية، وكان ما قدمت سلطة الاتهام غير كاف، فإن المتهم لا يكفل تقديم دليل براءته، كما أنه من أصول المحاكمات الجنائية أيضًا أن الأحكام الجنائية تُبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المُعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال والفروض أو الاعتبارات المُجردة.

وكانت المحكمة لما لها من دور إيجابي من تحقيق الدليل في الدعوى الجنائية، واتخاذ الإجراءات التي توصلها للحقيقة وصولا للاقتناع الذاتي في إطار من الشرعية القانونية، قد تداولت الدعوى الماثلة بجلسات عدة استدعت فيها شهود الإثبات الرئيسيين وناقشتهم في مضمون شهادتهم وأتاحت ذلك للخصوم في الدعوى وصولا لليقين القضائي فإنها بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وأدلة الإثبات التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازن بينها وبين أدلة النفي قد داخلها الشك والريبة في عناصر الإثبات وترجح عندها دفاع المتهمين.

وترى أن الواقعة صورة أخرى غير تلك التي حملتها عناصر الاتهام التي كان عمادها دلائل وقرائن مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية وتقرير الصفة التشريحية ذلك أولا أن شهادة شاهد الإثبات الرئيسي في الدعوى عبد الغني إبراهيم شعبان قد أصابها التناقض والتعارض وران عليها الوهن والتهافت.

وأشارت إلى أنه خلت شهادته عند سؤاله لأول مرة بتحقيقات النيابة العامة مساء يوم الواقعة 24 فبراير 2015 من اتهام لأي من المتهمين الماثلين أو غيرهما بتعذيب المجني عليه أو التعدي عليه وأنه فقط لاحظ عليه علامات الإعياء الشديد عقب عودتهما من سراى نيابة المطرية بعد التحقيق معهما في الجناية رقم 3763 لسنه 2015 المطرية، وكذلك فجر اليوم التالي حال احتجازهما بوحدة مباحث قسم شرطة المطرية.

وأكدت أنه حال إعادة سؤاله بيوم 26 فبراير من ذات العام قال فور عودته هو والمجني عليه في الثامنة ونصف مساء يوم 24 فبراير قام ضباط وحدة مباحث القسم بعصب اعينهم وتكبيل أيديهم بالأصفاد الحديدية وأخبرهما أن ضباط الأمن الوطني سوف يحضرون لاستجوابهما وبعدها كان يساق على تلك الحالة هو والمجني عليه كلا على انفراد داخل إحدى الحجرات لاستجوابهما.

وأضاف الشاهد أنه أثناء ذلك سمع أصواتا كثيرة من أشخاص داخل تلك الحجرة لم يستطع أن يميزهم وأنه كان يتم التعدي عليهم بالضرب بالأيدي وحال وجوده خارج غرفة التحقيق سمع صوت المجني عليهم بداخلها يتأوه ويقول “اه اه خلاص هعترف يا باشا” إلا أنه لم يشاهد به ثمة إصابات عقب ذلك وإن كان في حالة اعياء شديد وإحساس بالبرودة.

وقال الحيثيات، إن هذه الشهادة التي أدلى بها الشاهد على تلك الصورة واتخذت منها النيابة العامة القرينة الرئيسية على نسبة الاتهام للمتهمين الماثلين فضلا عن أنها لا تكفي بذاتها لحمل الاتهام فقد ران عليها التناقض والتهافت حيث نفى الشاهد لدى سؤاله بجلسات المحاكمة عن أي من المتهمين قيامه بتعذيب المجني عليه أو التعدي عليه بالضرب.

كما قال الشاهد، إن من قام بذلك هم ضباط مباحث قسم شرطة عين شمس والمطرية لحملهما على الاعتراف والإرشاد عن متهمين آخرين وذلك منذ لحظة القبض عليهما حتى صباح يوم وفاة المجني عليه وأنه كان مدفوعًا بشهادته في تحقيقات النيابة العامة بالخوف من التهديد والوعيد ضباط مباحث القسم فإن في ذلك كله ما يلقي بظلال كثيفة من الشك والريبة على تلك الشهادة لتناقضها على نحو يستعصى على الموائمة والتوفير بين صورها المتناقضة ومن ثمه تستبعدها المحكمة ولا تعول عليها كدليل إثبات مُعتبر.

وتابعت الحيثيات: “إن باقي شهود الإثبات الذين ورد ذكرهم بقائمة ادلة الثبوت لم يشهد أي منهم سواء بطريقة مباشرة أو بطريق الاستدلال بقيام المتهمين بالتعدي عليه وتعذيبه حال مناقشته فقد كان البعض منهم غير موجود على مسرح الحادث بينما شهد البعض الآخر أنه لم يشاهد ثمة إصابات ظاهرة بالمجني عليه سواء قبل حضور المتهمين بديوان القسم أو بعد انصرافهما منه عقب الانتهاء من مناقشة المجني عليه كما لم يتناه إلى سمعهم أو بصرهم قيام المتهمين بتعذيب المجنى عليه أو التعدي عليه بالضرب”.

وذكرت المحكمة أنه لا يفوتها أن تنوه إلى أنه وإن كان من الأصول المقررة أن الأحكام هي عنوان الحقيقة فإن جوهر الحقيقة لا يعلمه إلا الله وحده الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وإن كلمة القضاه وحقيقة الأمر ليست تعبيرا عن كلمة الله وهم مطالبون بتطبيق القوانين وكشف الحقيقة لا عن طريق وحي إلهي إنما عن طريق العقل والمنطق الذي يتخذ من أوراق القضية المعروض عليهم.

وصدر الحُكم برئاسة المستشار سيد التوني وعضوية المستشارين علي أحمد صقر وأيمن عبد الرازق وأمانة سر ممدوح غريب.

موضوعات متعلقة..

جنايات القاهرة تقضى ببراءة المتهمين بتعذيب محامي المطرية