ننشر حيثيات حكم الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 135 مكرر من قانون المحاماة

ننشر حيثيات حكم الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 135 مكرر من قانون المحاماة

أودعت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار سعيد مرعي، اليوم السبت حيثيات حكمها القاضي بعدم دستورية نص المادة 135 مكرر من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 المضافة بالقانون رقم 227 لسنة 1984.

وأبطلت المحكمة نص المادة التي تنص على أنه “يجوز لخمسين محاميًّا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية أو شاركوا في انتخاب مجلس النقابة الطعن في القرارات الصادرة منها، وفى تشكيل مجلس النقابة، وذلك بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال أسبوعين من تاريخ القرار بشرط التصديق على إمضاءاتهم.

ويجب أن يكون الطعن مسببًا، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بعد سماع أقوال النيابة وأقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل الطاعنين، فإذا قضى ببطلان تشكيل الجمعية العمومية، بطلت قراراتها، وإذا قضى ببطلان انتخاب النقيب أو أكثر من ثلاثة من أعضاء المجلس أجريت انتخابات جديدة لانتخاب من يحل محلهم.

وأوضح المستشار حمدان فهمي، رئيس المكتب الفني للمحكمة الدستورية حيثيات الحكم على النحو التالي:

1- الطعن على الانتخابات اختصاص مجلس الدولة

المحكمة استندت إلى أن المشرع الدستوري حرص على دعم مجلس الدولة بجعلها جهة قضائية قائمة بذاتها تختص دون غيرها بالفصل في المنازعات الإدارية، وفق المادة 190 من الدستور الحالي.
وأضاف أن نقابة المحامين من أشخاص القانون العام، وتُعد الطعون المتعلقة بصحة انعقاد الجمعية العمومية لأى من تشكيلاتها النقابية المختلفة، أو القرارات الصادرة منها، من قبيل المنازعات الإدارية، ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيرها، طبقًا لنص المادة (190) من الدستور، وإذ أسندت الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، المضافة بالقانون رقم 227 لسنة 1984، الفصل في تلك المنازعات إلى محكمة النقض، التابعة لجهة القضاء العادي، فإن مسلك المشرع، على هذا النحو يكون مصادمًا لنص المادة (190) من الدستور، الذى أضحى، بمقتضاه، مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي.

2 – بطلان شروط الطعن
قالت المحكمة إن الفقرة الأولى من المادة 135 مكرر تضمنت شرطيـن يتعين توافرهما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو في تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من خمسين محاميًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقًا عليها جميعًا من الجهة المختصة.

وحسب المحكمة فإن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهره، وعلى الأخص من زاويتين. أولهما: أن الدستور كفل للناس جميعًا – وبنص المـادة 97 – حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التي يحاط بها، ليكون عبئًا عليهم، حائلًا دون اقتضاء الحقوق التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها.

وأن الطعن على قرار معين – وكلما توافر أصـــــل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم، وكان حق النقابة ذاتها في تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في الدفاع عن مصالح أعضائها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالًا لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًّا أو متمحضًا عملًا ماديًّا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًّا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.

وأن نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 – النص المحال – قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصابًا عدديًّا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من خمسين محاميًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالًا عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التي أخل بها القرار المطعون فيه، والتي لا يقوم العمل النقابي سويًّا دونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا.

وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا محتومًا للطعن في قراراتها – متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلًا للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلمًا يتحقق عملًا، ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافي أصل الحق فيه، ليكون أفدح عبئًا، وأقل احتمالًا.

وأن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية– ولو كان مكتملًا نصابًا – يظل غير مقبول، إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص؛ وكان ما توخاه النص المحال بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون أعضاء في النقابة العامة أو الفرعية، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية؛ وكان التصديق وإن تم في هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطويًا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتها من الشروط التي لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقهـــــــــــا وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها.

ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التي اختص المشرع غيرها بها، وانتحالًا لبعض جوانبها، وباطلًا لاقتحام حدودها.

ولكل ذلك فإن النص المطعون فيه، يغدو مصادمًا لنصوص المواد (76، 77، 94، 97، 184، 190) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (135 مكررًا) المشار إليها برمتها.

وأن الدستور الحالي قد اعتبر بمقتضى نص المادة (189) منه النيابة العامة جزء لا يتجزأ من جهة القضاء العادي، وكان القضاء بعدم دستورية اختصاص محكمة النقض وبالتالي جهة القضاء العادي بنظر الطعون المتقدمة والفصل فيها، يستتبع حتمًا وبحكم اللزوم الفعلي والمنطقي سقوط عبارة ” بعد سماع أقوال النيابة العامة” الواردة بالفقرة الثانية من المادة (135 مكررًا) المشار إليه.