وائل عبد الفتاح يكتب | الدولة.. كـ«شركة‬»

وائل عبد الفتاح يكتب | الدولة.. كـ«شركة‬»

وائل عبد الفتاح

الأسرار ما زالت فى دورانها الأخير. لم يكشف بعد عن سر الإزاحة الغامضة لحكومة الببلاوى، وبهذه السرعة، ودون إبداء أسباب/ حتى كنوع من احترام الشعب الذى لا بد أن يعرف لماذا استقالت حكومة، وماذا ستفعل حكومة جديدة لن يتجاوز عمرها أسابيع حسب خارطة الطريق؟

هناك مُتعجّل ما أراد أن يقلب السيناريو سريعا، ولم يجد أمامه إلا رف التعديلات أو التغييرات الحكومية فى دولاب مبارك. فحسب المتسرب «والتسرب من طبائع دولة الأسرار» من الاجتماع الأخير قال الببلاوى: «… لقد أُبلغت بالرحيل»… من أبلغه؟ ليس مهما «فى دولة الأسرار.. هذا قرار الرجال الغامضين أو الكهنة فى الغرف المغلقة».. لكن المهم هنا أنها لم تكن إقالة/ ولكن طلب تقديم استقالة… والفرق بين الاثنين كبير على مستوى لغة السياسة وأفعالها… فالإقالة احتجاج من السلطة العليا/ أما الاستقالة فاحتجاج من الحكومة على تعطيل مسارها… كيف أصبحت الإقالة…الاستقالة؟ فهذا من عجائب دولة الكهنة/ حيث كل شىء سر من أسرار سكان الغرف المغلقة.. ويرتبط بإرادتهم الغامضة لا وفق قواعد متفق عليها فى السياسة بداية من الشفافية وليس انتهاء بالمسؤولية السياسية/ وسياسات الحكومة/والتوافقات بين القوى السياسية.

كل هذا غائب الآن أو يتم عبر اتصالات ليس معلنا عنها/ فى دولة لا يُعرف ما يدور فيها إلا عبر التسريب الذى للمفارقة لم يستثن أحدا لا الرئيس المعزول فى حبسه، ولا حتى وزير الدفاع أو الرجل القوى الموكولة إليه إدارة أعلى أجهزة السرية.

وليس اختيار المهندس إبراهيم محلب بعيدا عن هذه الأجواء… ولا يقتصر الأمر هنا على أنه ابن «النظام» وبالتحديد فى سنوات الإعداد لنقل الحكم من الأب إلى الابن/وكان بالضبط من مجموعات الموظفين الكبار الذين يزرعون نفوذهم فى شركاتهم بالانتماء إلى لجنة السياسات «حضانة سلطة جمال مبارك»، وبالتالى يثبتون دعائم الجهاز السياسى للحاكم فى فترات تمرينه.

صعود المهندس محلب الوظيفى ارتبط بهذه المرحلة، ولأن القرب السياسى والوظيفى لم يكن منفصلا عن القرب من العائلة التى كانت حاكمة/ فإنه لم يكن غريبا أن يكون اسم المهندس على قائمة الاتهامات فى قضية القصور الرئاسية/فالاقتراب هو دخول الدائرة… وربما تكون ذكيا أو مجرد خبير أو مترددا فى السياسة ومندفعا فى الوظيفة… لكنه اقتراب من دائرة هى مركز النظام وعقله وروحه.

هذه الدائرة من طبائع دولة الغرف المغلقة/ تتركز فيها السلطة والثروة فى المحظوظين المختارين داخل هذه الدائرة/ وحولهم مجموعات من الجهاز البيروقراطى «المعتمد على الترقى والصعود بالأقدمية» المستعد والحالم بالقفزة الكبرى… داخل الدائرة.

والدائرة الآن تتكون ببطء ليس بعد ٣٠ يونيو/ ولكن قبلها ومع الإخوان/ المشكلة كانت أن الإخوان تصوروا أنهم ممكن أن يتجاوزوا الشريحة البيروقراطية ويلعبوا دورها غير مكتفين بدور الجهاز السياسى… وهنا كان الصدام الذى أطاح بالإخوان وأزاحهم من السلطة.

هكذا يأتى محلب لرئاسة الحكومة بعد أن أرهق الجهاز البيروقراطى حكومة الببلاوى بشخصياتها من سياسيين لم يكن لديهم طوال حياتهم «باستثناء واحد تقريبا هو الدكتور زياد بهاء الدين» إلا خطاب الاحتجاج والنقد على نظام مبارك/ وعندما وصلت هذه الشخصيات إلى موقع الحكم والسلطة تصورت أن وصولها بالحكم وحده يمكن أن يكون بديلا عن التغيير والخيال المتحرر من «سلطوية» الدولة.

محلب لم يكن من ملائكة الدولة الحائرين الذين صدموا الجميع بسلطويتهم… وإنما من أبناء نظام مبارك القادمين من الخلف بدعاية ممنهجة عن «الوزير النشيط» صاحب الإنجازات الصامت، «رجل الدولة» الذى يفهم فى الدولة.

وكلها دعايات مرت بهدوء وبعيدا عن الاستقطاب وقتها/ لأن ضجيج المعارك ضد الحكومة كان أعلى وفى منطقة أخرى كانت ترتكب فيها جرائم يومية من إصدار قوانين غير صالحة إلا لدول بلا قانون/ وحتى ارتكاب جرائم التعذيب والقتل والقبض العشوائى والسكوت عن جرائم الفساد التى كشفها الجهاز المركزى للمحاسبات…وأخيرا فقدان التواصل مع قطاعات اجتماعية واسعة «الطلاب والمدرسون فى المدارس والجامعات/ الأطباء/ العمال». كان محلب فى منطقة وحده باعتباره رجل إنجازات/ لم يذكر أحد إنجازاته/ لكن الإلحاح على الوصف وفى ظل الانشغال بمتاهات حكومة الببلاوى التى حازت على أكثر الأوصاف إدهاشا، أهمها أنها حكومة يسارية/ بينما لم يكن بين الوزراء يسارى واحد تقريبا/ وأنها حكومة الثورة بينما شهدت شهورها المريرة إلقاء القبض على الثوار وإصدار أحكام وقوانين تقمع الثورة والثوار.

محلب لم يكن معدا لهذه الفترة «قبل انتخاب الرئيس» بل لأول فترة فى حال وصول السيسى إلى الحكم/ لأنه كان سيحقق ما تراه الغرف المغلقة من «شكل للدولة» فى مصر ويريدونها على طريقة «شركة المقاولون العرب»، بما يوحى بحنين إلى فترة عثمان أحمد عثمان أيام السادات، أو صعود نجوم المقاولات أحباب مبارك من إبراهيم سليمان إلى هشام طلعت مصطفى… كلها فترات من فترات الفشل المتعددة فى تاريخ هذه الدولة.

ماذا سيحدث عندما تتعامل الدولة مع نفسها ومن خلال كهنتها على أنها «شركة»؟

 

 

 

المصدر:التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *