وائل عبد الفتاح يكتب | كأننا نحب الحياة في المستنقع!

وائل عبد الفتاح يكتب |  كأننا نحب الحياة في المستنقع!

وائل-عبد-الفتاح

الفضيحة لا تعنى شيئًا أكثر من أن النظام الأخلاقى السائد أصبح خارج الصلاحية.

 أقول هذا ليس تعليقًا فقط على فيديوهات «نكاح الكاراتيه» التى نشرتها مواقع الإخوان ردًّا وانتقامًا من هجمة قديمة مبتذلة أقدم اسمُها «جهاد النكاح».

 بعيدًا عن ماراثون الابتذال الذى يتنافس فيه «العقل» المتحكم فى أنصار المتنافسين على الحكم: النظام القديم والإخوان.. كلاهما يصل إلى ابتذال سياسى ناتج عن افتقاره إلى أى مبرر أو علامة صلاحية للحكم إلا الشهوة فى الكراسى.. كلاهما فاشل وثبت فشله على مسارح السلطة إلا أنهما «بلا بديل» أو «لا يملكان سوى تعطيل الزمن أو فرملة الأحلام.. قل ما تشاء من تأسيس المقاومة الحقيقية لإنقاذ هذه البلاد من انحطاطها وابتذالها ومصيرها إلى بؤس كبير».

 يبحثون عن فضيحة.. هذا تمامهم وآخر ما لديهم.. فضيحة تفتش فى النصف الأسفل.. وتلعق النميمة كما يلعق الضبع دماء فريسته الميتة.

 نعم.. إننا فى حرب ضباع.

 بماذا أراد الضبع «الإخوانى» أن يرد على لعق الضبع الغارق فى الوله بالنظام القديم فى نفايات النميمة؟

 ليس لدى الإخوانى إلا البحث فى النفايات.. وبدلًا من تقديم قيم وأفكار وأخلاق تحترم الإنسان وحريته وتضمن له حقوقه كان التنافس فى الابتذال.. لأن المعركة كلها على «الْتِهام الجثة التى اسمها الدولة».

 يتصور كل متنافس أنه قادر على نشر فاشيته ليحكم بها أو يسيطر على ما لا يمكنه السيطرة/ فتعلو فاشية باسم الدين وتصيب المجتمع بالفزع حتى تسقط.. وتتسلل بدلًا منها فاشية باسم الوطنية.. تبحث عن أى إنجاز لترتب به فاشيته أو من اختراع إيدز الكفتة حتى إشعال الهستيريا القديمة بنشر أخبار إلقاء القبض على تنظيم «جنس ثالث» و«فنانة تدخن الحشيش» و«إنشاء مكتب مكافحة النشاط الإلحادى فى مديرية أمن الإسكندرية».

 الدولة تبحث عن فضائح وتسربها لتصبح مادة لحرب الضباع/ فكيف يمكن تسريب فيديو مدرب الكاراتيه، إذا لم يكن عبر الأجهزة التى ألقت القبض عليه وتحقق معه؟

 والمنافس للدولة فى كهوفه وسراديبه وفى النجوع التى يقيم بها فلوله.. يتلقى هذه الهدايا ليوجه إلى منافسه ضربة مؤلمة.. وينشر فضيحته.

 والمجتمع كله تحول إلى جمهور فضائح/ يلوك التفاصيل كل يوم/ ويفتح عينه على آخرها ويلتقط كل التفاصيل/ ثم يلعنها فى شيزوفرينيا مذهلة.

 يعرفون جمهورهم..

 فالمجتمع المحافظ بطبعه/ شغوف بالفضائح/ ويصنف فى المرتبة الأولى تقريبًا فى البحث عن كلمة «sex» على موقع جوجول، ويسجل أعلى متابعات لكل مبتذل ورخيص فى عالم الجنس.

 نشر الفضائح هو خلفية طبيعية لمنع الكلام فى السياسة ونشر العمى على كل شىء/ فكيف تفكر بعد أن تقع فى فخ صناعة الفضيحة؟

 كيف يمكن أن تعود إلى مناقشة القضايا الأساسية بعد أن انشغل عقلك بروايات تجعلك تشعر بأننا فى مستنقع أخلاقى؟ ستُغتصب فيه طفلتك (وتنشر الصحف صورتها) وتتصور فيه زوجتك مع مدربها.. ولا يكون أمام الكائن الضعيف الذى يعيش فى المستنقع أسيرًا إلا شيخ يفرض سلطته عليه بتوسيع مساحة المحرمات والممنوعات حتى تصبح الحياة فى حاجة إلى كتالوج أو تعويذة من الشيخ.. وفى المقابل الحاكم والبوليس الذى يحميه يريد أن يثبت أنه «حارس الأخلاق» ليبرر وحشيته واستخدامه التعذيب والتنكيل والقهر.. فيتفنن فى إنشاء مصانع للفضائح بشبكتها العنكبوتية التى تبدأ بالمخبر فى الشوارع، وتنتهى بالمخبر فى الصحيفة.

 ما علاقة الأمن بالأخلاق إلا فى الدول المستبدة؟

 وكيف توقف حياتك على فتوى من تجار دين يربون كروشهم وثرواتهم من اللجوء إليهم؟

 الضابط فى الجهاز الأمنى السرى والعلنى لا يصنع فضائح فقط.. لكنه يربى عقلية تجعلها تصدق حكاية وهمية اسمها «جهاد النكاح».

 والشيخ- حيث يقيم هاربًا وباحثًا عن طريق للسلطة- يفبرك من قضية ابتزاز جنسى فضيحة «نكاح الكاراتيه» ليربطها بالسيسى وحملته.

كلاهما يعتمد على جمهور ساقط أخلاقيا.. مدمن ابتذال رخيص وهذا الجمهور ينشر الرذيلة ويسميها أخلاقًا.

 هذه لعبة سخيفة، والأسخف منها أن تعاد كأننا لم نخرج من المستنقع بعدُ.

 

 

 

المصدر:التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *