مجموعة سعودي القانونية

أحمد الدرينى يكتب | قطر وتركيا وإسرائيل..ما الذي جمع الضباع الثلاثة؟

أحمد الدرينى يكتب | قطر وتركيا وإسرائيل..ما الذي جمع الضباع الثلاثة؟

أحمد-الدريني

في السابع والعشرين من أغسطس الماضي، أفرد موقع بلومبيرج تقريرا عن توقيف البحرية الأمريكية لناقلات بترول، تقوم بتهريب النفط العراقي عبر الخليج .

ثم نسب الموقع للأمم المتحدة تقريرا يقول أن البترول المهرب من العراق يتوجه بصورة أساسية إلى إيران.

وحين أصادف تقريرا كهذا، بعد التحقيقين اللذين كتبتهما هنا على موقع المصري اليوم حول اختفاء الناقلة اليونانية كاماري في المياه الإقليمية المصرية، وحول مثلث تهريب النفط العراقي إلى إسرائيل عبر تركيا..ستتعزز الصورة التي كانت كل المعطيات تقودني إليها.

«الكل يقتات على جثمان العراق وينهب خيراته»..هكذا بوضوح ودون تورية.

لم أتخيل أن حادث اختفاء، سيبدو في الأول عشوائيا، لإحدى الناقلات اليونانية بعد خروجها من ميناء بورسعيد، سيقودني للتعرف على هذه الشبكة الدولية المتواطئة على نهب البترول العراقي.

إيران تتنازع حصتها غير الشرعية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تركيا تتنازع حصة أخرى تقوم بتوصيلها لإسرائيل بسعر زهيد عبر مضخاتها وموانيها، ضامنة غطاء ماليا من أحد بنوكها، سيقوم بنقل السيولة المالية من إسرائيل لكردستان.

والوسيلة، شركة نقل يونانية يتم استغلال بواخرها في عمليات النهب المنظم. والتنفيذ يقوم به بحارة محترفون يغلقون سبل اتصالهم بالأقمار الصناعية، بعد الخروج من المياه الإقليمية المصرية، أو بعد تسلم الشحنات من أحد موانيء مالطا.

أي نعم، بعد نشر التحقيق الثاني هنا في المصري اليوم بساعات، قامت الحكومة العراقية بمقاضاة شركة مارين مانجمنت سيرفيسز اليونانية التي يتم استغلال ناقلاتها لأغراض تهريب النفط العراقي، إلا أن الأمر بدا أعقد بكثير من مجرد حوادث سرقة نفط.

يبدو أننا أمام نظام عالمي جديد، تقوم اقتصادياته على نهب ثروات البلدان المنكوبة والاتجار في هذه الثروات بصورة غير شرعية لكنها شبه علنية، يتواطأ عليها أطراف عديدة بالصمت.

فاللاعب التركي الذي يضع نفسه ويلقي بثقله الإقليمي في المشهد العربي، ليس إلا الجسر اللطيف وغير المستفز، الذي تختبيء خلفه إسرائيل.

ولكن هل تلعب تركيا وإسرائيل بمفردهما هذه اللعبة؟

(2)

لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أن أضع كلمات تركيا وإسرائيل وقطر في جملة واحدة ذات مغزى.

فأنا لا أستسيغ الصياغات الأمنية البلهاء التي يتم تسريبها للفضائيات المصرية حول المؤامرة الإسرائيلية التركية القطرية الأمريكية على المنطقة..ولو امتثالا للمقولة الشعبية (إيه لم الشامي على المغربي؟).

لكن يبدو أن البيزنس القذر جمع الفرقاء في تحالف واحد، كما تتآلف الضباع حين تتكالب على فرائسها.

مشهد فيه من الجشع ما يبدو للمتأمل نوعا من التفاهم.

قطر هي الأخرى، تمارس دورها في هذه العصابة الإقليمية التي تتحكم في السوق السوداء للبترول العربي.

غير أن الدوحة، بشريعة الغاب، تركت الفريسة العراقية لأنقرة وتل أبيب، وتوجهت لتنهش في الجثمان الليبي، في عرض وحشي منفرد.

ففي السابع والعشرين من مارس 2011، وقبيل سقوط القذافي، كانت وكالة رويترز قد نقلت تقريرا من قلب ليبيا عن التربيطات التي أجرتها قطر مع المتمردين الليبين، للحصول على النفط الليبي الواقع في حقول شرق البلاد، والإتجار به كما تشاء.

ومع إعلان الإسلاميين الراديكاليين عن تصدير أولى شحنات البترول الليبي لقطر..رفضت وزارة البترول القطرية التعليق على الخبر!

ليبدأ عصر جديد من الاستثمار القطري في «الاضطراب» الليبي عبر رجلهم عبدالكريم بلحاج أميرة الجماعة الإسلامية المقاتلة الذي سيصبح فيما بعد رئيس حزب الوطن الإسلامي، والذي سيتولى الإشراف على عمليات تمرير نفط بلاده للمستفيد الأم في قطر.

ستتوالى أخبار وتحليلات شراء قطر للنفط الليبي عبر الاتفاقات والتفاهمات التي عقدتها الدوحة مع القوى الإسلامية المتطرفة هناك. غير أن تحليلا جديرا بالانتباه سيكتبه المحلل الاسكتلندي جيمس ماكسويل، المتخصص في الشأن الليبي، سيطرح تساؤلات مثيرة للريبة حول طبيعة الدور القطري في «الحصول» على البترول الليبي عبر «الإسلاميين».

لكن أبرز ما سيورده ماكسويل هو توسع قطر في استثماراتها (البالغة 10 بليون دولار) في ليبيا بعد سقوط القذافي في مجالي البناء والتعمير، لتضمن لنفسها حظا من الكعكة الليبية، وفي سبيل ذلك لم تتورع قطر عن تسليح الإسلاميين الليبيين.

ومن ثم فإن قطر ستساهم بتخريب ليبيا كي تستثمر هي في هذه الأنقاض. سواء بمقاولات البناء، أو بعمليات تصدير النفط الليبي بثمن بخس.

غير أن المثير، هو السؤال الذي سيطرح نفسه مع المعطيات الواردة أعلاه..

هل تفعل قطر كل هذا في ليبيا لأجل مصلحتها الذاتية؟ لأجل المكسب والمال وما شابه؟

سيلاحظ البعض تشابه الدور القطري في ليبيا مع الدور الأمريكي في العراق.

استحداث حروب، تسليح مليشيات، هدم بلد..ثم سرقة نفط، وتمرير مقاولات إنشاء وبناء لشركات أمريكية.

وهنا سيبدو لي بصورة شخصية أن قطر هي الواجهة الأمريكية لتنفيذ نفس المخطط في ليبيا، كي لا تستفز واشنطن الوجدان العربي والإسلامي الجريح بأكثر مما هو مستفز ومستنفر، وسيدو أيضا أن قطر تمارس طموحاتها الإقليمية المتوحشة.

ولو عبر شراكة مع واشنطن، تقوم بموجبها قطر بدور الشريك المنفذ.

(3)

يتشابه الغطاء القطري للاعب الأمريكي، ومن بعده البريطاني والفرنسي في ليبيا، مع الدور التركي الذي يموه للاستفادة الإسرائيلية من نفط العراق.

أكره الكتابة استنادا لمقولات المؤامرة المشهورة والمتواترة، لفرط بلاهتها وسخفها.

غير أن الأيام الثمانية الماضية التي قضيتها تنقيبا وراء التقارير والمعلومات والأرقام والتحليلات ومهاتفة المتخصصين، سترسم عفوا، ومن غير اتفاق، هذا الشكل القبيح.

إيران وتركيا وإسرائيل..ينهشان العراق.

قطر (غطاءً لواشنطن) تمتص عصارة الحياة من الجسد الليبي المسجى. مستمتعة في الوقت ذاته بالإحساس بالخطورة والأهمية والتأثير في الشأن الإقليمي والتحكم في مجرياته.

(4)

كنت أتمنى أن أختم مقالي، بجملة معلوماتية أو باستنتاج معقول..كنت أتمنى أن أخلص لشيء ما يزعم أنه متماسك وسديد وعاقل.

غير أنني، حقيقة، أصارحكم: هذه البقعة من العالم اجتذبت أقبح ما في العالم…الجشع والخيانة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:المصرى اليوم