أحمد سمير يكتب | دعه يحكم.. دعه يفشل.. دعه يمر
(1)
“الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة قامت بالتخطيط لتنفيذ [854] مشروعًا اعتبارًا من أغسطس 2012، تم إنجاز [473] مشروعًا من المستهدف منها، وتمثل كمية الأعمال المنفذة ستة أمثال الهرم الأكبر”.
هذا ما كتبه المتحدث العسكري على صفحته بتاريخ 22 فبراير 2014..
للحظة لم أستوعب العبارة فأعدت قراءتها مرات لأتاكد..
ستة أمثال الهرم الأكبر؟؟.. ستة أمثال الهرم الأكبر؟؟
بجد؟..
ما وجه المنافسة بين خوفو والأشقاء في القوات المسلحة لتصر أنها أنجزت ستة أمثال الهرم الأكبر؟
(2)
“الصاروخ.. أطلقنا صاروخًا مداه 600 كيلو متر..
صاروخ عربي يستطيع إصابة إسرائيل إذا أطلق من القاهرة”
هكذا جاءت عناوين جريدة الأخبار في يوليو 1962 حول صاروخ سمي «القاهر»، وآخر اسمه «الظافر» قبل هزيمة 5 يونيو بخمسة أعوام كاملة.
(3)
مخترع علاج «سي» و«الإيدز»: اختراعي مثل سر بناء الأهرامات”.
هكذا جاء عنوان «المصري اليوم» يوم 26 فبراير 2014..
الأهرامات.. مرة ثانية.. مرتين في أسبوع واحد.
في حوار آخر قال اللواء طبيب إبراهيم عبد العاطي، الذي يوصف بأنه مخترع جهاز علاج فيروس سي ومرض الإيدز «عُرض عليَّ 2 مليار دولار، لكي أنساه، لكني رفضت».
هل لفت انتباهك شيء؟ الـ2 مليار مقابل أن ينساه وليس مقابل أن تستفيد من الاختراع أي جهة منه.
يوضح لنا لواء الجيش المصري فيقول “قلت لمن أرادوا شراء اختراعي، إنني موافق، لكن بشرط أن يكتبوا أن عالمًا عربيًّا مصريًّا مسلمًا هو من اكتشفه، لكنهم رفضوا.. قالوا لي تنسى الكلمة دي، وتاخد الشيك”.
دومًا هناك مؤامرة ما.. هم لا يريدون الاستفادة من المشروع.. فقط هدفهم منع المصري العربي المسلم من النجاح.
تبدو القصة غير مقنعة.. لكن منذ متى كانت كل القصص مقنعة؟
(4)
“قواتنا تتوغل داخل إسرائيل..
أسقطنا 86 طائرة للعدو.. قواتنا قضت على هجوم أم القطيف وأبادت قوات العدو تمامًا.. بيانات إسرائيل تعترف بالخسائر الفادحة والتقدم العربي الجبار”.
هكذا جاءت عناوين جريدة الأخبار الحكومية المصرية يوم 6 يونيو 1967.
(5)
آه.. نسيت أقول لكم..
بيان “ستة أمثال الهرم الأكبر” هو نفس البيان الذي أعلن فيه رسميًّا عن أنه “شاهد المستشار عدلي منصور والمشير عبد الفتاح السيسي وكبار رجال الدولة أحدث المبتكرات العلمية والبحثية المصرية لصالح البشرية والمتمثلة في اختراع أول نظام علاجي في العالم لاكتشاف وعلاج فيروسات الإيدز”.
السيسي وعدلي منصور.. واكتشاف وعلاج فيروسات الإيدز.
لا لبس في الأمر فبيان المتحدث العسكري واضح.. رئيس الجمهورية ووزير الدفاع شاهدوا أحدث المبتكرات المصرية للبشرية..
وزير الدفاع الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة كان حاضرًا.. بالمناسبة جهاز القضاء على الفيروسات اسمه “سي سي دي”.
(6)
“الجيش نار.. لا تلعبوا بيه ولا تلعبوا معاه.. والجيش لو نزل الشارع ابقى تعالى اتكلم على مصر بعد 30 أو 40 سنة.. ولو نزلتوا الجيش للشارع هتيجي بعد 10 سنين تقول ياه يا ريتنا ما كنا عملنا كده.. القوات المسلحة لن يستطيع أحد أن يورطها إن شاء الله”.
هكذا تحدث وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في 11 مايو 2013 عن الجيش المصري.
(7)
يقف اللواء بالجيش المصري.. يبدو مهيبًا ككل لواءات الجيش ثم يتكلم:
“باخد الإيدز من المريض وأديهولو صباع كفتة يتغذى عليه.. وهذا قمة الإعجاز العلمي.. وبشكر سيادة المشير علشان كان كرباج”!
هكذا قال بالنص.. لم أستوعب تمامًا ما الاختراع فشاهدت التقرير الذي أذاعه التليفزيون المصري وفيه يقف اللواء مخاطبًا المريض قائلًا:
ــ كان عندك إيدز وراح.
بعد لحظات.. تظهر صورة طبيب منكوش الشعر وتتصدر الشاشة علامة إبهام للتأكيد على أنه عقار (كده).
بدت لي كل المعلومات غريبة.. فيما بعد علمت أن القوات المسلحة وعدت بالبدء في علاج المصريين بعد 30 يونيو وهو بالمصادفة عقب الانتخابات الرئاسية التي يستعد وزير الدفاع لخوضها.
(8)
القوات المسلحة لن تكون طرفًا في دائرة السياسة أو الحكم ولا ترضى أن تخرج عن دورها المرسوم لها في الفكر الديمقراطي الأصيل.
المتحدث العسكري في 1 يوليو 2013
(9)
أصدق أن هناك صاروخ القاهر والظافر.. كما أصدق أن هناك شيئًا ما تجرى أبحاث عليه وربما حقق نتائج ما.
لكن هل يمكن أن ينجز شيئًا كفئًا من يعتبر الحوار حول منجز علمي ما ومناقشة فاعليته هو خيانة وطنية؟
أصدق أن القيادات العسكرية يدركون تمامًا أن إقحام الجيش في العمل السياسي يعني تكرار ستين عامًا من الفشل.. فلا يوجد نموذج لحكم عسكري واحد حقق نجاحًا لا في المنطقة العربية ولا في أيٍّ من بلدان العالم الثالث وهم يعلمون ذلك تمامًا.
القصة مكررة دومًا.. مؤسسة تقرر أن تتحول لحزب سياسي يجتمع ليقدم مرشحًا في انتخابات رئاسية ثم يبدأ في التسويق له أنه سيحل مشاكل الصحة والطرق.. ثم فشل آخر.
إنه العناد لا أكثر.. يعلمون ما حدث مثلنا.. ويعلمون ما سيحدث مثلنا.
دعه يحكم.. دعه يفشل.. دعه يمر.
وفقهم الرب..
روابط تم الإشارة إليها: