أيمن الجندى يكتب | السجل

أيمن الجندى يكتب | السجل

د.-أيمن-الجندى1

ليل داخلى. غرفة النوم مظلمة تماما. هدوء شامل ولكن له ثقل. تخدش الزوجة الصمت بالبكاء فجأة.

 

الزوجة: أعلم أنك مستيقظ. أواه. أوحشنى (ميدو). رباه لا أستطيع أن أصدق أن ابنى مات!

 

الزوج (يضمها مواسيا).

 

الزوجة: لماذا أنت صامت دائما؟ منذ سنوات طويلة، بعد ولادة أبننا مباشرة وأحوالك تغيرت تماما! ألم يأن الأوان كى تخبرنى عن سرك الذى طويت طيلة هذه السنين؟

 

الزوج (فى صوت عميق يرن فى هدوء الليل) هناك أسرار يُستحسن ألا نعرفها. صدقينى.

 

الزوجة (بقوة): من حقى أن أعرف. أنا شريكتك فى الحزن والأرق.

 

الزوج (يتأوه): هل تذكرين يوم الولادة؟ حين خرجت الممرضة وهى تحمل ميدو بين يديها. حين وضعته شاهدت تحت قدميه كتابا ضخما له غلاف سميك. تصفحته فى فضول. فى الصفحة الأولى شاهدت اسم ميدو وتاريخ ميلاده. قلبت الصفحات. وجدت وصفا دقيقا لكل ما سيحدث له فى السنين التالية. قرأت أسماء أصدقائه المقبلين، جميع الأمراض التى سيُصاب بها. اسم المدرسة التى سيلتحق بها. الألعاب التى سنشتريها له. صوره وهو يكبر. شرعت أقلب كالمجنون صفحات الكتاب. كل تفاصيل حياته-التى لم تحدث بعد- كانت مذكورة بالتفصيل. ثم انتهى الكتاب فجأة. فى الصفحة الأخيرة قرأت أنه سيموت فى السادسة عشرة من عمره بعد مرض قصير. قبل أن أفيق من ذهولى شاهدت رجلا جميل الوجه يدخل الغرفة على عجل، وكأنه يصحح خطأ قاتلا، ثم يختطف الكتاب منى ويغادر الغرفة. صرخت كى يتوقف. حاولت اللحاق به ولكنى لم أجده. سألت الجميع عن أوصافه فلم يعرفه أحد

 

الزوجة (فى ذهول): ما هذا الهذيان

 

الزوج (فى حيرة): هذيان؟ هذا ما قلته لنفسى. لابد أننى جننت أو هى خدعة قاسية رتبها أحد لكى يفسد حياتى. ولكن من الذى يفعل ذلك ولماذا؟ وحين راحت تفاصيل الكتاب تتحقق بالحرف الواحد، أدركت أننى- عن طريق الخطأ- اطلعت على سجل حياة ابنى! عرفت موعد موته وليتنى لم أعرف. كان هذا فوق احتمالى.

 

الزوجة (فى ألم): ليتك أخبرتنى لأحبه أكثر وأعتنى به أكثر.

 

الزوج (فى صدق): لم أرد أن أفسد حياتك.أسوأ شىء فى العالم أن تعرفى المستقبل. من رحمة الله بنا أن يحجب عنا ما لا يجب أن نعرفه. صدقينى المعرفة هى الجحيم.


الزوجة (وهى تئن): كل شىء كان مكتوبا منذ ولادته! آه يا ابنى المسكين.

 

الزوج (متجلدا): أسوأ ما يمكن أن يحدث لنا قد حدث بالفعل. أليس فى هذا عزاء لنا؟

 

يضمان بعضهما البعض ويلتصقان أكثر وهما يبكيان فى صمت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *