أيمن الجندى يكتب | عبيد النيزك

أيمن الجندى يكتب | عبيد النيزك

د.-أيمن-الجندى

كان النيزك العملاق يسبح فى الفضاء بسرعة هائلة. بقايا الحجارة التى تبقت لحظة تكوين النظام الشمسى، ولم تندرج فى كوكب سيار، يوشك الآن أن يرتطم بالأرض ويُفنى الحضارة.

 

 

وبما أن أربعة أخماس الكوكب الأرضى ماء فسوف يرتطم النيزك العملاق بالمحيط، مما سيؤدى إلى موجة مد عملاقة سوف تكتسح المدن وتغرق كل المبانى الشاهقة، لتستقر فى قاع المحيط إلى الأبد.

 

 

لكن الحياة لن تنتهى تماماً. بضعة أفراد ناجين هنا وهناك سوف يصمدون للتغيرات البيئية. هؤلاء سوف يستكملون دورة الحياة. ولعدة أجيال قادمة سوف يعانى البشر الناجون من صعوبة الحياة البدائية. بعدها سوف تخرج من ذرياتهم أجيال تنهمك فى استكشاف الكون ولا تكف عن التساؤل. ثم تندلع شرارة الحضارة. تتسارع الوتيرة وتتوالى الاكتشافات وترتفع البنايات الشاهقة بعد أن يتعلموا التحكم فى قوانين المادة. بعدها تنشب الحروب بين أبناء الناجين من أجل السيطرة. ولعشرات الآلاف من السنين سوف تزدهر الحضارة حتى يرتطم نيزك عملاق آخر بالأرض فيبيد الحضارة. قصة مكررة، شهدناها نحن الملائكة الموكلين بالإنسان، حتى سئمناها. وفى كل مرة تنمحى الآثار تحت الماء، وتختفى تماماً.

 

 

من المضحك أن كل حضارة تظن أنها أول حضارة. لا يدرون أن نفس المخترعات توصل إليها أجداد أجدادهم منذ مليون عام، ومنذ تسعمائة ألف عام، ومنذ مائه ألف عام. وفى كل مرة يجهل الأحفاد كل شىء عن ماضى أجدادهم؛ إذ تكفلت الرياح والصخور والماء وسائر عوامل التعرية بمحو كل الآثار تماماً.

 

 

هذه المرة جاء الدور. لكن حضارة هذه الأيام تملك من المعارف ما يجعلها تستطيع التنبؤ بما سيحدث بسهولة. ما أعجب البشر! منذ أن رصدوا النيزك العملاق الآتى بالهول، وأدركوا أنه لا قِبل لهم به، حتى توقفت الحياة تماماً. كُفّ الطلاب عن الذهاب لمدارسهم! توقفت المصانع عن العمل! البنوك أغلقت أبوابها! صارت النقود بلا قيمة! يقولون لبعضهم البعض: ما جدوى السعى طالما النهاية محتومة؟! يتحدثون وكأنهم اكتشفوا الموت! أو كأنهم لم يعرفوا قبلها بقدومه.

 

 

لم يكف الإنسان عن إثارة دهشتنا، منذ أن كرمه الله وأمرنا بالسجود لآدم، فكان رده للجميل أن عصاه من أجل ثمرة تافهة! ما أغرب أبناء آدم! يذرفون الدموع حين يشاهدون فى الأفلام السينمائية مريضاً ميؤوساً من علاجه! فإذا نجا من الموت فرحوا وكأن نجاته تعنى أنه لن يموت أبداً. ما الفارق بين أن يموتوا بعد أسبوع أو يموتوا بعد عشرين سنة، طالما الموت قادم فى النهاية؟ ومنذ أن عرفتم بقدوم النيزك صارت النقود بلا قيمة! فمتى كانت لها قيمة؟ الآن كففتم عن الطمع كونكم ستموتون غداً!؟ فهل يبرر الطمع أنكم ستموتون بعد غد؟

 

 

الآن تصلون إلى خالقكم وترفعون الدعاء لأن النيزك قادم! فهل إذا لم يجئ تستغنون عن خالقكم؟ من خلف حجاب الغيب نناديكم فلماذا لا تسمعون؟ هب أن النيزك ابتعد عن الأرض فى اللحظة الأخيرة، بمعجزة لا تفهمون أسبابها، هل يعنى هذا أنكم بمنأى عن الموت إلى الأبد! الموت آتٍ بنيزك أو بدون نيزك. والطمع لا مبرر له فى كل الأحوال، ومن ينج اليوم فموعده غداً.

 

 

فليأت النيزك أو لا يأت. الموت قادم لكم ويستحيل أن يخطئكم! لو تعلمون ما نعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولكففتم عن الطمع والركض خوف النيزك، يا عبيد النيزك.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *