أيمن الجندي يكتب | لمحات من حياتنا الجميلة «2»

 أيمن الجندي يكتب | لمحات من حياتنا الجميلة «2»

د.-أيمن-الجندى1

البلبل: بين اليقظة والمنام، على تخوم الفجر، انتبه إلى صوت لم يسمع مثيله من قبل. تغريد؟ ترنيمة؟ صلاة؟

لا يعرف. لم يستطع فى تلك اللحظة أن يقتنص التعبير الملائم. ولكن خامره يقين أنه يستمع- وللمرة الأولى فى حياته- إلى غناء بلبل. كان الغناء عذبا إلى حد أنه لم يكن هناك احتمال آخر.رفع رأسه من على الوسادة وراح يصغى.. يصغى.. يصغى..

عاجزا عن النوم من فرط عذوبة الصوت. وبعد تغريدة طويلة أفصح فيها البلبل عن كل شىء. واختصر كل شىء، صمت تماما. عندها فقط استطاع النوم..

لمدة ثلاث ليال متتالية تكرر الغناء العذب وتكرر الإصغاء. بعدها توقف الغناء تماما.

ولم يدر هل رحل البلبل عن الحديقة المجاورة بعد أن لم يجد من يفهمه؟ أم تراه كان يُبلّغ رسالة ما وذهب لحال سبيله بعد ذلك؟.. هل فهم أحد الرسالة؟ هل كنت أنا المعنىّ بتلك الرسالة؟ أم تراه موجودا ولكن الحزن أخرسه.

أسئلة لم أجد لها جوابا. ولكنى مازلت كلما تيقظت على تخوم الفجر، أتذكر- وبرغم السنين الطويلة- تلك الأغنيات الثلاث التى صدح بها البلبل قبل أن يطير إلى حيث لا أدرى.

بطاطس محمرة: ما أروعها وهى تسبح فى الزيت المغلى لتكتسب لونا ذهبيا مُحببا للنفس، وتصدر فى أثناء إنضاجها موسيقى تعبيرية: (طششششششششششش)، ثم تلك الرائحة الشهية التى تفوح منها. الرائحة التى تجعل الطعم أفضل والحياة أجمل والأكل ألذ. لا أتحدث طبعا عن البطاطس المزيفة قليلة البركة التى تم تجميدها وتعبئتها فى أكياس. هذه ليست بطاطس أصلا وإنما عجينة مقرفة. وأنما أتحدث عن البطاطس الطازجة بنات الحقل، اللواتى أنضجتهن قبلات الشمس وملاطفات الرياح. هذه هى البطاطس الوحيدة التى أعترف بها. وأعتقد أن أفضل ما أستطيع فعله الآن هو أن أترك الكتابة وكل هذا الهراء الذى أفعله، وأذهب فورا لإعداد طبق من البطاطس الذهبية المقرمشة المتبلة بالملح والفلفل والكمون. الحمد لله.

كراهية الصبيان: كل ليلة تتأكد كراهيتى لقبيلة الصبيان، خصوصا فى خلوتى بالحديقة كل مساء، حيث أحرص على اجتناب كل البشر، خصوصا أولاد الأبالسة هؤلاء. لكنهم – والحق يُقال- لا يجتنبوننى وكأن مغناطيسا خفيا يقودهم إلى حيث أكون.

يتدافعون، يصرخون، يجعجعون، يتحدثون بهستيريا على أشياء تافهة لا تذكر. يركلون الكرة بأقصى قوة فى وجهى ولا يفكرون فى التوقف للاعتذار. يضربون بعضهم البعض دون رحمة ثم يتعانقون فى ود. فى الوقت الذى ترى فيه البنات فى عمرهم يتغندرن ويتهامسن ويتضاحكن ويمارسن الأمومة على أطفال صغار.

وأتمنى لو كان ممكنا أن أنتقم منهم. ولكن كيف وأبناء الأبالسة هؤلاء ترهبهم الشياطين وتخافهم الأشباح ويولى الجان منهم الأدبار. عزائى الوحيد هو ما أعرف أن الأيام ستأتى به لهؤلاء الملاعين. فمن لم تربه الأيام ستربيه امرأة. وإنى لأرى بعين البصيرة الصبى منهم وقد صار رجلا عاقلا يرتجف من زوجته، ويحمل فى طريق عودته إلى البيت بطيخة ثقيلة فى ليالى الصيف وكيس برتقال فى ليالى الشتاء، عسى أن ينال بعض الراحة بعد عمل شاق، وتتركه فى حاله الزوجة الغاضبة دون فاصل نكد لينام ليله فى هدوء.

آه أيها الملاعين. هذا هو عزائى الوحيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *