الرئيس محمد مرسى منذ تولَّى الحكم لا يتوقف عن الكلام، لكن يبدو أنه توقف عن التأمل.
يستمر الرئيس مرسى فى الارتجال فى خطبه ثم بات يرتجل طوال الوقت فى قراراته.
لا تعيش مصر الآن تحت إدارة رئيس مخطِّط، مدبِّر، مفكِّر، منضبط، شفاف.. يظهر بوجه واحد أمام مواطنيه، هو غير ذلك، وللأسف يبدو أنه لا يعرف ولا يملك أن يكون رئيسنا، فما يقدر على القدرة إلا ربنا، فرئيس مصر الحالى عضو سابق وحالى فى تنظيم سرى، عاش حياته يخطط فى الخفاء مع جماعته، ويخفى عن أقرب الأقربين حقيقة موقفه وجوهر رأيه، ويقول لفتحى سرور مواقف عكس ما يعتنقه، ويعبر لصفوت الشريف عن عكس مشاعره تماما، ويراوغ أسئلة التحقيقات فى النيابة، ويكذب عليها وينفى انضمامه إلى الجماعة، ويهادن السجَّانين من أجل مكاسب صغيرة، ويتفاوض مع المخابرات وأمن الدولة بأكثر من وجه، فهو يكرههم ويبتسم فى وجوههم، وهو يخفى عنهم ويتظاهر بالصراحة، وهو يعاهدهم ويوقن أنه سيحنث معهم، وهو يردد مع عمر سليمان كلامًا من نوع أن الجماعة لا تطمع فى الحكم، وأنهم يحترمون الرئيس مبارك، وهم يطمعون طبعا ولا يحترمون قطعًا..
إذن فهو رئيس مدرَّب على ازدواج المواقف كما مرَّنته جماعته.
المصدر:الدستور الاصلى
ثم هو -شأن أعضاء الجماعة- يوهمه جمهور السمع والطاعة بالعظمة، ويغتر بالحشد التنظيمى، ويتصور نفسه أقوى من الآخرين، ويظن كما يظن أعضاء كل الجماعات الدينية المغلقة والمنغلقة أنه أكثر إيمانا، فهو يصلى بينما الآخرون لا يعرفون صلاة الفجر، وهو رجل لا يجد مشكلة أبدا فى أن يُقبِّل يد مرشده فى الإخوان، ولا يجد غُصة فى أن يقوم عضو بتلبيس المرشد حذاء فضيلته، والمحصلة أن قرار الرئيس ليس من دماغه، بل من ولائه!
هذه الصفات هى التى جاءت معه لتجلس على مقعد الرئيس لتحكمنا، وكل ما فعله مرسى منذ جاء يصب فى هدف واحد، هو خدمة جماعته، وهو يفشل بشكل مزرٍ فى أن يكون رئيسا لكل المصريين.. هو رئيس للإخوان، من حمايته لعدم قانونيتها ولا شرعيتها، بل هو نفسه مقتنع بأنها جماعة شرعية مقننة، وحتى التواطؤ معها على دستور الجماعة حتى تذهب بحزبها للانتخابات البرلمانية، وهو يعيِّن رجالها فى كل مفاصل الدولة، ويُؤخْوِن الحكومة ولا يفعل شيئا إلا بأمر الجماعة، ولا ينجز قرارًا إلا لمصلحة الجماعة، وتسوقه أهداف الجماعة وتقوده الجماعة فى ما يخدمها، ولا قرار أو قانون خرج من مكتبه إلا بمعرفة ومباركة أو مطلب مكتب الإرشاد، حتى إنه يحمى بلطجة الجماعة فى الميدان، ولا يتورع عن تلبية مطلبها فى بيان الخميس الماضى بإقالة النائب العام، فينفذ الرجل -بمنتهى الانصياع السياسى- المطلب، وبمنتهى التخبط والعشوائية والتغوُّل العصبى المتسرع الأهوج، ضاربًا هيبته الرئاسية برصاصة مؤذية، ويهين مقامه الرئاسى بطريقة مثيرة للتعجب، ويلعب رجلان مثل حسام الغريانى وأحمد مكى دورًا فادحًا فى فضائحيته لضرب استقلال القضاء، حيث الجلوس فى سدة الحكم وعلى فرش السلطة وسؤدد النفوذ، ومع السن الكبيرة التى ما عادت تتحكم فى العواطف وتلجم المشاعر كما الماضى، انفلتت حقيقة الرجلين، فهما وجه العملة الآخر لترزية مبارك ومستشاريه وبطانته القضائية الشريرة، ونسى الكثيرون أن الأعمال بالخواتيم والاحترام السياسى كذلك بالخواتيم، وقد شاء المولى لهما حزن الختام!
الرئيس الذى يصمم على أن لا يكون رئيسنا، بل رئيس من الجماعة للجماعة، حين يتستر على أفاعيل جماعته المسيئة والفاشية والبلطجية، إنما يفتح لجماعته الطريق نحو الاستهزاء بالقانون وتهزىء الدولة وإرهاب المعارضين وترويع المواطنين ودهس الأخلاق بالنعال، وهو ما يؤكد لنا ما كنا متأكدين منه.. أننا لن نرى استفتاءً نزيهًا ولن نرى انتخابات نزيهة فى عهد هذا الرئيس وجماعته، وأنهم أفيال جديدة فى سيرك الاستبداد القديم.