بلال فضل يكتب | إلى أصحاب الضلالات!
وسط موجات الهستيريا التي تصاعدت من كل الاتجاهات، عقب الفيديو المنحط الذي نشرته جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية، عن عملياتها الإجرامية في سيناء، قرأت تدوينة جميلة، كتبها بالعامية الباحث والفنان التشكيلي الصديق، عبده البرماوي، موجهاً سطورها إلى من أسماهم “أصحابنا اللي عندهم ضلالات”، أنشرها، هنا، بعد “ترجمة” أغلبها إلى الفصحى، أملاً في تعميم الفائدة وإبراء الذمة:
“بعيداً عن المناكدة السياسية والاستخدام الدعائي المستمرَّيْن في إفساد الأوضاع، أرى أن السلفية الجهادية، ومثيلاتها من تطورات منظمات التكفير، لابد من معاملتها بنهج الاستئصال، وتجفيف منابع تمويلها، وحرمانها من أي إمكانية للعمل المسلح، لكن ذلك يعني، بالضرورة، وجود تخطيط شامل، ينقذ مؤسسات الدولة من اختطافها لصالح مكون الأمن القومي، ضيق الأفق الذي يبتلع الدولة، ويطبق سياسة أمنية متخلفة ومغرضة، تغذي الإرهاب، ولا تجفف منابعه، ولا تستأصله، في حين فهم العالم المتقدم، من دروس تعامله مع ظاهرة الإرهاب الحديثة، أن المعالجة من منظور الأمن الشامل هي الحل.
من الواضح أن هناك فئة صاحبة مصالح داخل الدولة، تستفيد من تغذية هذه التنظيمات، وتترك لها مساحة للعب، لأن مبرر وجودها مرهون ببقاء هذا الخطر، وتضخيمه كخطر محلي وإقليمي وعالمي، وأن هناك اعتماداً متبادلاً بين الظاهرة الإرهابية، ومكوّن الأمن الضيق الذي يتعزز “بيزنسه” وهيمنته على قرار الدولة. تدخل الدولة ضد الإرهاب، بهذا المنطق الضيق، موجود من سنين، بما في ذلك خلال عهد مرسي، ومستويات المعالجة والفهم فيه كانت دائما سلبية، وتبالغ في عنفها ضد المناطق والجيرات التي يمكن أن تكون محاضن لعناصر الجهاد، دائماً كانت تتقلص عناصر الوقاية وتجفيف المنابع والتوعية لصالح عناصر الحراسة والدعاية وتضخيم كلفتها، وتتضاءل الحلول الاجتماعية والتنموية لصالح شبكات السيطرة والتنمية المشوهة وبيزنس المحاسيب، وسيناء نموذج فاضح لكل ذلك.
خطاب الحرب على الإرهاب، حالياً، خطاب فاشي بامتياز، ويضع البلد بين مطرقة العنف المسلح الذي تغذيه تصورات متخلفة وماضوية ومعادية للإنسان، وسندان عنف السلطة الفاسدة والاستبدادية والمنفلتة عن القانون والقرار الرشيد، وهذه هي المعضلة الحقيقية التي نعيشها الآن. للأسف، البعض يتورط وهو يناضل ضد سلطة معادية للديمقراطية في تغذية مظلوميةٍ، تستخدمها جماعات العنف المسلح في تبرير وجودها، وتكوين التعاطف معها والتجنيد لها، والبعض الآخر يتورط في الاتجاه المعاكس، ويغذي الاستبداد وإجرام المؤسسات، بقيامه بالخروج على القانون، وتوسيع دوائر القهر، وفرض منظومة إرهاب مضاد. والنضال ضد هذين الطرفين، في الوقت نفسه، ضرورة ودرس من دروس ثورة يناير، وهو ليس أبداً محاولة للتوازن ومسك العصا من المنتصف، هي معركة مزدوجة ضد استبدادين، لا يصح، أبداً، أن تختار بينهما، ولا يصح أن تقف محايداً ومتفرجاً.
العدو الأبرز هو الإرهاب وتصوره الماضوي، أما العدو اللئيم فهو الاستبداد الذي يدرك معادلة مبارك، وأنه سيكون مقبولاً دولياً بوساخته، طالما وقف ضد العفريت البشع الذي يهدد المنطقة والعالم كله، وساخته هذه تعني أنه لن تكون هناك ديمقراطية، ولا عدالة اجتماعية، ولا حريات، هذه هي المعضلة التي تحتاج إلى تفكيك، سياسات مواجهة الإرهاب لا يجب، أبداً، القبول بأن تكون على حساب التنمية المستحقة، ولا الحريات المطلوبة، لأن مواجهة الإرهاب لن تكون إلا من خلال مجتمع قانون ومؤسسات قوي.
الحكاية ليست كيمياء، ولا سحر، ويلزم لتنفيذها ترشيد السلطة بالديمقراطية، وتحسين خياراتها بالفهم والتخطيط التشاركي، ومنع تغول السلطة، بوضع حدود لها والحرص على توازن سلطاتها أمر مهم، وحدوثه يجعل كل سلطة تركز في مهامها، وهي تدرك أنها ستحاسب، لو قصرت في أداء مهامها، والرقابة الشعبية على ذلك ستمنع تحول الأوضاع إلى سداح مداح لكل من يريد أن ينهب المجتمع، ويسمن على حسابه، ويضخم مخاوفه، لكي يفتح أسواقه الأمنية.
أيوه، الديمقراطية والتضامن الوطني الذي تحققه الديمقراطية أدوات لازمة لمكافحة الإرهاب. أيوه، حكم القانون واحترام حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية عناصر أساسية في أي منظومة ناجحة للأمن الشامل. أيوه، الرقابة الشعبية وتعزيز المسؤولية أمام الشعب والعمل بشفافية في قضايا الأمن القومي أدوات أساسية لضبط منظومة الأمن. أيوه، وقف الإنحدار نحو الفاشية، وضبط سياسات الأمن، وربطها بالتنمية الشاملة، وخلق بدائل حقيقية هو الحل الناجع، وبغيره تستمر الورطة”.
لكن، هذه الرؤية المركبة التي يطرحها الصديق عبده البرماوي، وغيره من الباحثين، لن تخرج من الفضاء الافتراضي إلى حيز التطبيق، إلا إذا أدرك الشعب أنه لا بد أن يوصل إلى مراكز صنع القرار أناساً لم يكونوا جزءاً من المشكلة، ليمكن، أصلاً، أن يكونوا جزءاً من الحل.