● كنت أتوقع أن يتعلم اللواء محمد إبراهيم من المقولة الخالدة التي قالها القيادي الإخواني فريد اسماعيل عند القبض عليه «يعني ماطمرش قانون الشرطة اللي عملناه»، فيقول في حوار البيجامة الشهير بعد فشل محاول اغتياله «يعني ما طمرش فيهم دم الشباب اللي قتلناهم عشان بيعارضوا مرسي».
● الحكاية ليست «كيميا» حتى وإن بدا أنها كذلك، ولا تحتاج إلى حبوب الشجاعة حتى وإن ظن البعض ذلك، اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية مسئول عن قتل مئات المصريين مثله مثل الرئيس عدلي منصور والدكتور حازم الببلاوي والفريق أول عبد الفتاح السيسي، مثلما كان من قبلهم المعزول محمد مرسي والمشير محمد طنطاوي والمخلوع محمد حسني مسئولين سياسيا عن قتل المصريين، وسيظلون جميعا كذلك حتى يبرئهم القضاء أو يدينهم، لأنه لا أحد في مصر يجب أن يكون فوق المحاسبة، ولأن الأوطان لا تُبنى بالطرمخة على حرمة الدم ولا تتقدم بإسقاط جرائم الدم بالتقادم. صحيح أن محمد ابراهيم لم يحفظ حق الحياة لمئات المواطنين، ولذلك بالتحديد أدين محاولة اغتياله، لأن أسرته لا تستحق معاناة فقده التي تكابدها مئات الأسر من ضحايا وزارته، ولأنه هو نفسه يستحق حق الحياة لكي يحظى بمحاكمة عادلة على جرائمه السياسية.
● عندما تولى المناضل كمال أبو عيطة منصب وزير القوى العاملة كتبت متمنيا له كل النجاح وأدهشني تصريحه بإقرار رفع الحد الأدنى للأجور خلال ثلاثة أيام، خاصة أنه لم يقم بتكذيب التصريح فظننت أن هناك خطة ما تجعله متأكدا إلى هذا الحد، الآن وبعد شهرين من التخبط والعشوائية والصمت المريب على ما يتعرض له العمال من انتهاكات، نطق الوزير أبو عيطة قائلا «قرار الحد الأدنى للأجور ليس قراري لوحدي»، مع كل التقدير والأسف لا ألوم عمنا كمال على التصريح الأخير، بل ألومه بشدة على التصريح الأول، لأنه كان ينبغي أن يقول للشعب منذ أول يوم أن هناك فرقا «بايخا» بين بدلة الوزير وبدلة المناضل العمالي، وأن على الناس ألا تتوقع منه إلا «الحد الأدنى من الأداء». كنت أتصور أن عمنا كمال لديه من الحنكة السياسية ما يجعله يدرك أن هناك أجهزة غويطة كانت دائما تعترض حتى على ظهوره في البرامج التلفزيونية، لكنها هذه المرة رحبت به وزيرا، ليس لأنها تغيرت وتابت وأنابت، ولكن لأنها تدرك أهمية حرق المناضلين أصحاب المبادئ في مرحلة حساسة كهذه، ستصفق فيها الغالبية الراغبة في الخلاص وخلاص، لأي انتهاكات حتى لو كانت لعمال يطالبون بحقوقهم، وهو ما سيؤدي إلى حرقه ليس كشخص بل كنموذج، لتخلو الساحة فيما بعد لأصحاب النظرة الوقوعية أو الواقعية إن شئت، كنت أتصور أنه سيواجه ذلك بأداء ذكي وشفاف يكشف الحقائق فورا للناس، بدلا من أن يتفرغ سرا لمهمة إطفاء الحرائق وعمل مواءمات لن تغير شيئا في أرض الواقع المتروسة بالظلم، لكن الأجهزة الغويطة حتى الآن كانت أغوط منه، وبمنتهى الواقعية لم يدهشني ذلك بقدر ما أدهشتني السرعة التي أًصبحت فيها بدلة الوزير محبوكة على جسد المناضل كمال أبو عيطة. يا مثبت الرموز في الوجدان يا رب.
● طبقا لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «اكتشف فريق بحثي بريطاني أن التحول من عصر الأراضي الزراعية المنفصلة إلى عصر الدولة التي يحكمها ملك كان أسرع مما كان يعتقد، حيث أثبتت تقنيات الكربون المشع ونماذج المحاكاة أن حاكم الدولة المصرية الأولى كان إسمه الملك عحّا الذي جاء إلى السلطة عام 3100 قبل الميلاد». ولا أظن أنك بعد هذا البحث تحتاج إلى أن تفهم لماذا توارثنا عن أجدادنا تلك العادة التي تجعلنا كلما شعرنا بالقهر والمرارة نتذكر أن تاريخنا مع القهر بدأ مع نشأة الدولة الأولى، فيذكر كل منا لأخيه إسم الملك «عحّا» كما وصل إلينا محرفا عبر الأجيال.
● الأفكار المفخخة توصل الأوطان حتما إلى السياسات المفخخة التي لا ينتج عنها إلا السيارات المفخخة، وعندما يكون الغباء سيد الموقف ينتقل الوطن من فخ إلى فخ مصحوبا بسلامة الله وبدموع المواطنين وحوقلاتهم، حينها ربما يدرك الذين علت أصواتهم بجعير التهديد فوق منصات الخطابة القاتلة أن سين السلمية تقتلها سين السلاح، «ولذلك خلق الله الندم»، وقريبا ربما يدرك الذين لا يمتلكون لقراءة الواقع سوى كتالوج «الضرب في المليان» أن الدولة ليست معسكرا تديره بالأمر المباشر، وأن الحل في سين السياسة وليس في سين السيسي، «ولذلك ابتكر الإنسان السياسة».
أتوقع الآن أن تسألني عن الحل لأنك خائف مثلي، ومثلما أكتب لكي أهرب من خوفي، لعلك تقرأني لكي تهرب من خوفك، لن أضحك على نفسي وعليك، فللأسف لن نجد فرصة للتفكير في الحل إلا عندما يقتنع غالبية الإخوان أن مرسي لن يعود إلى الحكم وأن تقديم الغطاء السياسي للإرهاب سيجعلك تحاسب على فاتورته لأن من أعان ظالما سلطه الله عليه ومن استعان بإرهابي برضُه سلطه الله عليه، وعندما يقتنع غالبية هواة الفرم أنه يطيل العمر الإفتراضي للأفكار البشرية مهما بدت قابلة للفرم النهائي وأنه لا بديل عن مناورات السياسة وتقليل عدد من تحولهم الغشومية إلى أعداء كل يوم بالقتل والاعتقال العشوائي وانتهاك الكرامة. وحتى يحدث ذلك في وقت نسأل الله أن يُعجِّل به، ليس أمام من لا ينتمون إلى معسكر الإمام الغائب مرسي ومعسكر «افرم يا سيسي» إلا أن يراهنوا على أن الفشل وحده سينقذنا: فشل الدولة القمعية في إحياء أمجاد الماضي، وفشل الإخوان وحلفائهم في الإرهاب كما فشلوا في الحكم والسياسة. ياخفي الألطاف نجنا مما نخاف.
● أصبح معلوما من الواقع بالضرورة أن درجة تقدم الأوطان تتناسب عكسيا مع انتشار الأغاني الوطنية فيها، وفي الوقت الذي تزيط الفضائيات بأشياء تنتحل صفة الأغاني وتزيف منطق الوطنية، وتنشر الموالسة والكراهية، مرت ذكرى الفنان الجميل حسن الأسمر في صمت، جعل بعض الذين استعادوا ذكراه يكتشفون أن أغنيته «كتاب حياتي يا عين ماشفت زيه كتاب الفرح فيه سطرين والباقي كله عذاب» كانت حتى الآن أصدق أغنية وطنية.