مجموعة سعودي القانونية

عمار على حسن يكتب | الدين والدولة فى إندونيسيا (2 – 2)

عمار-على-حسن

.. وفى إندونيسيا يتجاوز أعضاء جمعية «نهضة العلماء» الإسلامية ٤٥ مليون عضو و«المحمدية» نحو ٣٥ مليون عضو، لكنهما لا تلزمان أتباعهما بالتصويت فى الانتخابات لصالح أحد بعينه، لأنهما تؤمنان بحرية الفرد، ولا تجبرانه وفق مبدأ «السمع والطاعة» الذى يسلبه إرادته وقراره، وينصرف جهد هاتين الجماعتين على تحقيق الامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى والتماسك الأسرى والنفع العام أو العمل الخيرى.

وتسعى الدولة، التى تتكون من ١٣ ألف جزيرة عائمة فى المحيط الهادى، إلى جعل تنوعها مصدراً للقوة وليس للضعف والتفكك، ولذا كان عليها أن تبدع صيغة تحكم علاقة مستقرة بين سكانها الذين ينتمون إلى ٣٠٠ عرق ويتحدثون ٢٥٠ لغة ويدينون بعدة أديان، أولها الإسلام، ويدين به ٨٦.١%، ثم البروتستانت ٥.٧%، والكاثوليك ٣%، و١.٨% هندوس، و٣.٤% يعتنقون معتقدات أخرى. ومن أجل المحافظة على وحدتها صاغ الرئيس سوكارنو عام ١٩٤٥، وعقب انتهاء الاحتلال اليابانى مباشرة، مبادئ خمسة لتحكم دستور الدولة يسمى «البانكسيلا» التى تعنى بالعربية «كلمة سواء» جاءت على النحو التالى:

– الإيمان بإله واحد.

– إنسانية عادلة ومتحضرة.

– وحدة إندونيسيا.

– الديمقراطية تقودها الحكمة الداخلية فى توحد ناشئ من المداولات بين الممثلين.

– العدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب الإندونيسى.

ولا تعرف الحياة السياسية الإندونيسية فى الوقت الراهن أى احتكار، فالانتخابات التى جرت فى ٩ أبريل ٢٠٠٩ توزعت فيها حظوظ الفائزين بشكل فيه قدر كبير من التوازن، فالحزب الديمقراطى لم يحصل إلا على ٢٠.٩%، وبعده جاء حزب جولكار بـ١٤.٥%، وهكذا..

وتجرى الانتخابات فى سلاسة تامة، إذ إن عدد المقترعين فى اللجنة الواحدة لا يزيد على ٣٠٠ شخص، ويشرف عليها سكان كل منطقة بأنفسهم، فى شفافية تامة، ويتوجب على المرشحين للرئاسة أن يمروا باختبارات طبية دقيقة، بما فيها اختبار الذكاء، بعد أن ابتليت البلاد برئيسة غير متعلمة ورئيس شبه ضرير عقب سقوط «سوهارتو». لقد تحدث الإمام محمد عبده حين ذهب إلى أوروبا فى نهاية القرن التاسع عشر عن أنه وجد «إسلاماً بغير مسلمين»، وفى إندونيسيا هناك «إسلام بمسلمين»، ينصرف إلى الجوهر ويتفاعل مع مقتضيات العصر، فلا تجد الشوارع مزدحمة بأصحاب اللحى ومرتديات النقاب، بل تجدها عامرة بالسلوك القويم والرضا والاعتزاز بالدين والرغبة المتجددة فى تحسين شروط الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *