عمرو حمزاوى يكتب | تطوير المؤسسات
بعيدا عن شئون الحكم والسلطة وأزماتهما المستمرة التى تضيع على الوطن والمجتمع والدولة الكثير من فرص الاستقرار والتقدم، تحتاج مصر إلى مؤسسات عامة وخاصة متماسكة ومتطورة وفعالة لكى تتحسن القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وترتقى مستويات الخدمة الأساسية المقدمة للمواطن.
ومع أن أدبيات العلوم السياسية تسجل حضور رابطة إيجابية بين البناء الديمقراطى وبين نشوء مؤسسات عامة وخاصة متماسكة ومتطورة وفعالة، إلا أن الثابت تاريخيا (بمراجعة تجاربنا القديمة والحديثة وبمراجعة تجارب مجتمعات أخرى) وعمليا (بالاضطلاع على خبرات معاصرة) هو أن نشوء المؤسسات يظل ممكنا حتى وإن غابت الديمقراطية وقد توطن بعض مكونات التماسك والتطور والفاعلية فى مؤسسات تعانى من غياب القيم وثيقة الصلة بالديمقراطية كالشفافية والمساءلة والمحاسبة.
بل إن دراسات حديثة فى العلوم السياسية وعلوم السياسة العامة والإدارة تشير إلى أن وجود مؤسسات عامة وخاصة متماسكة ومتطورة وفعالة فى دول ومجتمعات تعانى من الاستبداد والسلطوية يسهل كثيرا من إدارة التحول الديمقراطى حين تتوفر له الإرادة الشعبية والسياسية ويحد من كلفته العالية التى تتحملها قطاعات المواطنات والمواطنين قبل النخب والطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل قبل الأغنياء والفئات ميسورة الحال.
أما فى مصر، فتبدو المؤسسات العامة والخاصة فى وضعية انهيار وتحلل وتدهور وتفتت لم تصل بعد إلى عتاباتها النهائية. التعليم، الرعاية الصحية، الإسكان، البحث العلمى، رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، الخدمات الاجتماعية وخدمات الإعاشة لكبار السن وللمحتاجين، حماية المستهلك، البنوك والمصارف المالية، المشروعات الصناعية والزراعية العامة والخاصة، وسائل الإعلام؛ جميعها قطاعات تدير شئونها مؤسسات عامة وخاصة يغيب عنها فى المجمل التماسك وتنقصها الفاعلية وتفتقد ﻹمكانات التطور الذاتى أو للقدرة على التغيير بالإفادة من تجارب ناجحة فى الداخل والخارج وبالتعويل على إدارات جماعية تعتمد النهج العلمى والعقلانى.
نعم يغيب الكثير من مكونات الشفافية والمساءلة والمحاسبة عن مؤسسات التعليم والبحث العلمى والمؤسسات المالية والمصرفية والإعلامية والمؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص فى مصر، ولا شك فى أن هذه الحقيقة ترتبط جوهريا بغياب الديمقراطية وهيمنة حكم الفرد على منظومة الحكم / السلطة وممارسة الأخيرة للسيطرة على الدولة واستتباع مؤسساتها المدنية وللاستبداد على المجتمع والمواطن. إلا أن وضعية الانهيار والتحلل والتدهور والتفتت يمكن العمل على احتوائها قبل الخروج من مأزق الاستبداد الذى زج بنا إليه مجددا، ونقاط البداية تتصل بتوفر وعى شعبى وإرادة شعبية يطالبان بإنقاذ المؤسسات العامة والخاصة وبتطويرها ويضغطان على منظومة الحكم/ السلطة وأصحاب المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمالية الكبرى لصياغة وتنفيذ خطط جادة للتطوير المؤسسى بحيث تحقق مصر بعض التقدم المأمول ويحصل المواطن الذى يعانى من انتهاك حقوقه وحرياته على بعض الخدمات التعليمية والصحية وخدمات الرعاية الجيدة ــ دون أن يفهم ذلك كميكانزم تعويضى أو استغنائى عن الحقوق والحريات.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.