عمرو خفاجى يكتب | التسامح و«مصيبة التعليم»
رصدت جمعيات حقوق الإنسان فى فرنسا تصاعد موجات من عدم التسامح بين طبقات المجتمع الفرنسى، وأشارت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان هناك، أن هذا التصاعد يدخل عامه الرابع، مما يجعل من ظاهرة عدم التسامح «ظاهرة متفشية»، تثير المخاوف، خاصة أن ما يقرب من ٣٥٪ من الفرنسيين اعترفوا بأنهم عنصريون بعض الشيء، بينما يرى ٧٥٪ منهم أن أعداد المهاجرين زائدة عن الحد، وللأسف الشديد أشار غالبيتهم أن العرب والمسلمين فى مقدمة المرفوضين من المجتمع الفرنسى، إلى جانب نسبة قليلة قلقة من بعض جماعات الغجر، لكن الشىء الجيد الذى رصده تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، أن العنف الجسدى تجاه الفئات غير المرغوب فيها قد توقف، لصالح عنف لفظى يتحول أحيانا إلى ألفاظ عدائية، لكنه لا يتجاوز ذلك أبدا.
المهم فى هذه القصة، أن جمعيات حقوق الإنسان، ترصد الظاهرة وتتابعها بشكل مستمر، وتكلف مراكز بحوث رأى عام لمتابعة الظاهرة التى تتنامى بالفعل، وفى تقديرها أنها، قد وصلت لمرحلة تنذر بالخطر، وعلى المسئولين أن يبدأوا فى التحرك للتعامل معها، وأوصت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان التركيز على محاربة العنصرية من خلال مناهج التربية والتعليم، خاصة بعدما أفادت التقارير بأن عدم التسامح يرتفع بدرجات كبيرة فى الفئات ذات المستوى الثقافى المتدنى، علما بأن مستويات الثقافة والتعليم فى فرنسا مرتفعة للغاية، وعندما يقولون «مستوى ثقافى متدنٍ» فهذا لا يعنى جهل هذه الفئات تماما، ولكن قياسا لمستويات بقية طبقات المجتمع.
الصورة تبدو واضحة ولا تحتاج إلى شرح، والمثال يدفعنا فى التفكير لما يجرى حولنا من ظواهر تجاوزت العنف والاعتداءات اللفظية وتعدتها للاعتداءات الجسدية والتى تصل لدرجة إزهاق الأرواح أحيانا، سواء بقصد أو بدون قصد، ورغم ذلك لم يتحرك أحد لدرء هذا الخطر عن المجتمع، وإسالة الدماء لا تأتى أثناء لحظة العراك، لكنها دوما تبدأ مع الحض على عدم التسامح واتساع دوائر الكراهية، والتشجيع عليها، وهذا ما يحدث عندنا الآن بنحاح ساحق، وإذا كان بعض شباب الإخوان يتفوقون فى ذلك، فهذا لا يعنى أن بقية التيارات لا تمارسه أيضا، بينما يعجز الجميع، وكأنه لا يرغب فى مواجهة هذه الظاهرة التى ضربت سلامنا الاجتماعى فى مقتل بالفعل.
ما أريد أن ألفت النظر إليه، هو التوصية الأساسية للجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان فى فرنسا بضرورة مواجهة مثل هذه الظواهر من خلال مناهج التربية والتعليم، التى تعانى من كل شيء أصلا، لذا يستدعى الأمر أن يعمل الجميع بجدية فى تطوير العملية التعليمية التى على ما يبدو عبرها سنتمكن من حل كثير من مشكلاتنا، ولا أعرف لماذا يتأخر من بيدهم مقاليد الأمور فى البدء فورا فى ذلك، فكل الإشارات تؤكد لنا أن مصيبتنا فى تعليمنا، بما فى ذلك عدم التسامح الذى تجاوز كل الحدود التى كنا نخشاها إلى حدود الرعب على مستقبلنا القريب.