مجموعة سعودي القانونية

عمرو-خفاجى

التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية كشف أن مصر لم يتحسن ترتيبها وظل كما هو قريبا من القاع فى مكافحة الفساد، أى أننا نعيش فسادا بامتياز، حيث أشار التقرير إلى أن مصر احتلت هذا العام المرتبة الـ١١٤ من ١٧٧ دولة شملها التقرير، وهو نفس ترتيب العام الماضى، أما المؤلم فى القصة حقا، أن ترتيب مصر فى عهد مبارك (تقرير عام ٢٠١٠) كان ١١٢، أى كان وضع مكافحة الفساد أفضل قبل ثورة وإطاحة برئيسين، وهو ترتيب بعكس مدى الارتباك والعشوائية، التى عاشتهما مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن، وأعتقد أننا يجب أن نتوقف عند هذه الحكاية، لأنها تكشف عن فشل تام فى مكافحة الفساد الذى كان أحد المحركات الرئيسية للموجات الثورية التى تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات، وربما هذا ما دفع الخبير العالمى كريستوف ويلك إلى أن يضع عنوان «تحطم الأمل» للفصل الخاص بمصر فى التقرير، فالرجل كان يتوقع أن تكون الثورة قد بدأت مواجهة حقيقية مع الفساد، وأن الصورة قد اختلفت بالفعل، ولكن، للأسف الشديد، لم يجد السيد ويلك أى علامات أو دلالات إيجابية فى هذا الاتجاه.

الفساد ليس قصة الموظف الذى يفتح الدرج لطالبى الخدمات أو المعاملات الحكومية، وليست القصة أيضا انهيارا فى الضمائر والأخلاق، فالأمر أكثر تعقيدا من ذلك، ويمتد بالضرورة إلى التشريعات التى تخدم مصالح فئات من رجال الأعمال، وهو ما اصطلح على تسميته بفساد المحسوبية، ومن الواضح أن هذا لم يتوقف فى مصر، بل على العكس يبدو أنه انتعش قليلا، صحيح أن الرشاوى مازالت قائمة بقوة، فقد أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية إلى أن ٣٦٪ من المصريين دفعوا رشاوى فى عام ٢٠١٣ لإنهاء مصالحهم، وهو رقم ضخم إلى حد كبير، لكن الخبراء لا يجرمون هؤلاء، لأنهم مضطرون لفعل ذلك لإنهاء مصالحهم التى تتعطل كثيرا قبل فتح الدرج، وتميل بعض الآراء الأخرى لاعتبارهم ضحايا لا جناة، لأن قوانين وبيروقراطية الدولة هى التى تدفعهم لذلك.

وحتى نكون على بينة من أمرنا، فإن تعطل مكافحة الفساد فى مصر، يقف وراءه غياب الإرادة السياسية، لأن بعض أدوات المكافحة لدينا بالفعل مثل الأجهزة الرقابية (الجهاز المركزى للمحاسبات، الرقابة الإدارية، الرقابة المالية)، لكن لا توجد لدينا التشريعات التى تفعّل دور هذه الأجهزة الرقابية، إلى جانب تعطل قوانين إتاحة المعلومات، وحماية الشهود والمبلغين، وقد حكى لى الدكتور أحمد صقر عاشور مندوب منظمة الشفافية الدولية السابق فى مصر، أنه تقدم بالمشروع وقت حكومة الدكتور عصام شرف، وأيضا قدمه لبرلمان الإخوان، لكن الجميع تجاهل الأمر، وحتى عندما نجحت ضغوط البعض فى وضع نص بدستور ٢٠١٢ لإنشاء مفوضية لمكافحة الفساد، ذهبت المادة أدراج الرياح فى تعديلات الدستور، لتحل محلها مادة تؤكد على ضرورة التنسيق فقط، من أجل مكافحة الفساد، ومع ذلك لا يوافق الدكتور عاشور على الاستسلام لفكرة عدم مكافحة الفساد، وأن الأمل قد تحطم، لأن التغيير قادم قادم، حتى لو تأخر بعض الشىء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *