مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | الشيطنة تعقد الأزمة ولا تحلها

فهمى هويدى يكتب | الشيطنة تعقد الأزمة ولا تحلها

فهمى-هويدى

لو أن الجهد الذى يبذل للشيطنة أنفق فى الفرز والبناء لكسبت مصر من وراء ذلك الكثير.

(1)

يوم الأحد الماضى 18/5 أبرزت جريدة «الأهرام» على صفحتها الأولى خبرا كان عنوانه: حذف قيادى إخوانى من قائمة الإرهابيين الأمريكية. الخبر مصدره موقع إلكترونى يرمز إليه بالحروف الثلاثة دبليو. ان. دى، وخلاصته أن عضوا بمجلس الشيوخ اسمه تشارلز جريسلى طلب التحقيق فى معلومات أفادت بأن وزارة الأمن الداخلى الأمريكى حذفت سجلات متعلقة بقائمة إرهابيين تحتفظ بها من بينهم القيادى الإخوانى جمال بدوى العضو المصرى فى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، والمعروف بعلاقاته الوطيدة مع حركة حماس وحزب الله وتنظيم الجهاد الإسلامى الفلسطينى. وهو يقيم فى كندا وعضو الجمعية الإسلامية فى أمريكا الشمالية، ومؤسس الجمعية الأمريكية الإسلامية.

الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) ذكرت الرجل فى سياق آخر، مختلف تماما. قالت إنه مصرى يعمل أستاذا بأقسام الدراسات الدينية والإدارة فى جامعة القديسة مارى فى مدينة هاليفكس بكندا. درس الدكتوراة فى جامعة انديانا. وهو مؤلف لكتب ورسائل عديدة عن الإسلام، وقدم العديد من البرامج التليفزيونية عبر القنوات المحلية التى تبث فى كندا والولايات المتحدة. وأشرطته وتسجيلاته منتشرة فى مختلف من البلدان الغربية. ومشاركاته دائمة فى المحاضرات والمناظرات والحلقات الدراسية التى تتم فى الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم. وهو متحدث ممتاز ودارس متعمق فى الفقه وتاريخ الأديان، ويقوم بنشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام والمسلمين فى العالم الغربى. وله نحو 350 حلقة عن الإسلام كل واحدة منها نصف ساعة، تلقى رواجا كبيرا فى أوساط الدارسين وأتباع الديانات فى أنحاء العالم.

الصورة التى قدمها خبر الأهرام عن الرجل أنه قيادى فى جماعة إرهابية وله علاقته الوطيدة مع المنظمات المعادية فى إسرائيل، أما الموسوعة الحرة فقد قدمته بحسبانه داعية نذر نفسه للدفاع عن الإسلام والمسلمين وله انتشاره واحترامه فى الغرب.

(2)

القصة تستدعى ملاحظتين. الأولى أن مصدر الخبر (موقع دبليو. ان. دى) يعد ضمن المنابر المعبرة عن المحافظين فى الولايات المتحدة، وهو موال للإسرائيليين ومعاد للعرب والمسلمين. كما أن السيناتور المذكور الذى أغضبه أن وزارة الأمن الداخلى الأمريكية برأت ساحة الدكتور جمال بدوى ورفعت اسمه من قائمة الإرهابيين لم يجد تهمة يرميه بها سوى أنه ينتمى لمنظمة «إرهابية» حسب التصنيف المصرى، وله علاقات وطيدة مع المنظمات المعادية لإسرائيل. الملاحظة الثانية دلالتها أسوأ وهى أن الأهرام غض الطرف عن طبيعة الموقع وموقف السناتور جريسلى، مقابل أن يوظف الخبر فى شيطنة الرجل إسهاما منه فى تصفية الحسابات الداخلية.

هذا «المطب» ذاته وقعت فيه وسائل الإعلام المصرية حين نقلت فى شهر مايو الماضى قصة «جيش مصر الحر» فى ليبيا، وادعت أنه مدعوم من أوباما وتركيا وقطر، وهى التى أطلقتها صحيفة إلكترونية تدعى «وورلد تريبيون». وقد فضحت الدكتورة منار الشوربجى الصحيفة حين تتبعتها واكتشفت أنها يمينية ولها ارتباطاتها بصحف المافيا، وأنها تقوم بدور مشبوه فى تعبيرها عن اليمين الأمريكى المحافظ، الذى يعادى أوباما لمجرد انه صاحب بشرة سوداء، ويتهمه بكراهية أمريكا وبتجنيد المسلمين سرا فى الخارجية الأمريكية، ولا تتردد فى وصفه بأنه إخوانى وشيوعى واشتراكى فى ذات الوقت (المصرى اليوم 23/4/2014).

رغم أن المشهد بهذه الصورة يستدعى العديد من الأسئلة، فإنه يهمنى منها فى اللحظة الراهنة الشق الخاص بالجهد الذى يبذل لشيطنة الآخر والاستعداد للتعاون مع «الشيطان»، لتحقيق الهدف، حتى إذا كان ذلك الشيطان ضد العرب والمسلمين جميعا. صحيح أن الدكتور جمال بدوى حسن الحظ لأنه يقيم منذ أكثر من ثلاثين عاما فى كندا، حيث يحترم القانون وتصان كرامات الناس، ولو كان موجودا فى مصر لكان مكانه سجن العقرب متهما فى خمسة عشر قضية كل واحدة منها كفيلة بإعدامه.

السؤال الذى تثيره القصة هو: كم واحدا يا ترى لم تكن له علاقة لا بالعنف أو الإرهاب، ولقى المصير البائس الذى أفلت منه الداعية الكبير؟.. طبقا لتقرير موقع ويكى ثورة المستقل فإن عدد المعتقلين فى مصر يتجاوز 22 ألف شخص، والمصادر الإخوانية تتحدث عن نحو أربعة آلاف منهم وجهت إليهم تهم يفترض أن يحاكموا بسببها أمام محاكم الجنايات (أغلبهم من الصعيد). وهناك حوالى عشرة آلاف سيقدمون إلى محاكم الجنح وأغلب هؤلاء من المتهمين بمخالفة قانون التظاهر. وإذا صحت تلك التقديرات فمعناها أن أخبار المحاكمات ستظل جزءا من المشهد السياسى إلى نهاية العام وحتى العام المقبل. ومعناها أيضا أن هناك ثمانية آلاف شخص ليس معروفا مصيرهم وهؤلاء يجدد حبسهم حينا بعد حين طبقا لمقتضيات الأجواء السياسية. ومادام الملف مفتوحا فإن حملة الشيطنة سوف تستمر، باعتبار أنها تمثل الغطاء الذى يبرر استمرار المحاكمات وتغليظ الأحكام، وتجديد الحبس الذى لا تكف المنظمات الحقوقية المستقلة عن نشر التقارير والشهادات التى تتحدث عن معاناة وتعاسة الخاضعين له.

(3)

حملة الشيطنة أوسع نطاقا مما نظن. ذلك أننا إذا وضعنا هذه الخلفية فى الاعتبار، وضممنا إليها الحكم الذى صدر بحظر نشاط حركة 6 أبريل التى تضم شرائح غير قليلة من شباب الثورة، ثم أضفنا إلى ذلك التوتر الحاصل مع آخرين من شباب الثورة الذى تعددت أسبابه. إذ تراوحت بين الغمز والطعن فى الانتفاضة الشعبية العارمة التى أسقطت نظام مبارك فى عام 2011 أو جراء محاولة طمس معالم ذلك الحدث الكبير لصالح ما سمى بثورة 30 يونيو، أو نتيجة لصدور قانون منع التظاهر الذى أريد به إسكات صوت المخالفين وقمعهم. وقد رفع من وتيرة الغضب أمران آخران، أولهما عودة رموز نظام مبارك إلى الظهور فى المجال العام، الأمر الذى تزامن مع تشديد قبضة وقمع الأجهزة الأمنية فى إعلان عن عودة سياسة ذلك النظام. الأمر الثانى هو تلك الحملة الإعلامية التى استهدفت تشويه صورة شباب الثورة ورموزها، وذلك من خلال التسريبات التى قامت بها الأجهزة الأمنية، وزودت بها بعض منابر الثورة المضادة التى قامت بتعميمها فى مسعى استهدف فضح أولئك الرموز واغتيالهم معنويا.

هذه الصورة المتتابعة ترسم مشهد الشيطنة متسما بالتوتر ومسكونا بالخوف والغضب فى الوقت ذاته. ذلك أن الصدام الحاصل لم يعد بين السلطة والإخوان والجماعات المتحالفة معها، ولكن دائرته اتسعت بحيث شملت مجموعات شباب الثورة والأصوات التى ارتفعت معلنة التضامن مع المحبوسين والمظلومين منهم. وانضمت إلى هؤلاء المنظمات الحقوقية المستقلة التى أصدرت أكثر من بيان استهجن ما يجرى وأدان الاعتقال العشوائى والتعذيب وتلفيق القضايا للأبرياء، وقد وقع هذه البيانات 16 منظمة ومركزا حقوقيا.

لابد أن يثير انتباهنا أنه إزاء ذلك الجهد الذى يبذل لشيطنة الآخر وقمعه، فإننا لا نكاد نجد جهدا يذكر للملمة شتات الجماعة الوطنية والتفاعل معها بأية صورة، بل إن ذلك الجهد لم يكن له أثر على صعيد الفصل بين قوى المعارضة الوطنية وبين جماعات العنف، من خلال فرزهم والتمييز بين العناصر المتطرفة والمعتدلة، وهو التمييز الضرورى للاحتشاد الوطنى اللازم للانطلاق نحو المستقبل بثقة واطمئنان.

(4)

صار ممجوجا وغير مقنع الادعاء بأن الشعب قرر كذا قبولا أو رفضا. لأن ذلك يعنى فى حقيقة الأمر اختزال الشعب واستغفاله. لأن الذى قرر فى حقيقة الأمر هو المؤسسة الأمنية التى حولت المنابر الإعلامية إلى منصات أطلقت منها ما شاءت من قذائف سممت الأجواء ودغدغت المشاعر وقلبت الأمور رأسا على عقب. وبلغ الاستغفال حدا سوغ الإقصاء وشجع الإبادة السياسية، ورحب بمصادرة الرأى وتكميم الأفواه. وبعد تبرئة رجال الشرطة والمؤسسة الأمنية من قتل المتظاهرين. فان القمع تضاعف وانضاف الإرهاب الفكرى إلى الإرهاب الأهلى والمجتمعى، وصار صاحب الرأى الآخر إخوانيا ومتآمرا وعميلا وطابورا خامسا ممولا فى الخارج. واستغلت الأخطاء التى وقعت فى السابق وأحداث العنف والجرائم التى ارتكبتها أطراف عدة فى ترويع المجتمع، الأمر الذى أدى إلى إغلاق باب السياسة واعتبار الإرهاب أولوية قصوى تتقدم كل ما عداها. الأمر الذى أعادنا إلى وضع قريب من أحداث الثورة الفرنسية، التى تولت خلالها لجنة الأمن العام إدارة السياسة الداخلية للبلاد، وأصدرت بيانا فى شهر سبتمبر عام 1793 أعلنت فيه أن «الوقت قد حان أن تصبح العدالة فوق كل الرءوس، كما حان الوقت لإرهاب وترويع كل المتآمرين. ولذا كان طبيعيا أن يتم التعامل مع الإرهاب بحسبانه أولوية قصوى» ثم ختم البيان بالعبارة التالية: دعونا نَكُنْ فى ثورة دائمة، لأن الثورة المضادة تحاك فى كل مكان من قبل أعدائنا. يجب أن يحوم نصل القانون فوق رءوس كل المذنبين».. وكان ذلك الإعلان بمثابة إطلاق لحملة المحاكمات التى تمسحت فى القانون والعدالة، وقادت كثيرين إلى المشانق والسجون.

(5)

إن كل الاهتمام منصب على الاقتصاد فى الوقت الراهن. وهو أمر مهم لا ريب رغم أن معالم الرؤية الاقتصادية غير واضحة، والواضح منها محل جدل ونقد من جانب المختصين. وفى غمرة الانشغال بالاقتصاد تظل يد المؤسسة الأمنية مطلقة فى مصير العباد، ويظل باب السياسة مغلقا إلا على الموالين والمصفقين. علما بأن كفاءة السياسة تقاس بمقدار انفتاحها على المعارضين واحتوائهم، فى حين يظل التعويل على الموالين دون غيرهم هو الخطوة الأولى على طريق الاستبداد.

حين سئل المشير السيسى عن موقفه من رجال النظام السابق ومن رجال الأعمال الذين تضغط شبكة مصالحهم على السياسة، كان رده أنه يريد أن يستخلص من كل طرف أفضل ما فيه ولا يريد أن ينفر أحدا أو يقصيه، وهو كلام عاقل ورصين، ولا يعيبه سوى شىء واحد هو انه مقصور على الاقتصاد دون السياسة. وهو منطق يستدعى معادلة صعبة للغاية يراد لها أن تمزج بين الازدهار الاقتصادى والانغلاق السياسى. معتبرا أن الخير كامن فى أهل الاقتصاد بينما الشرور كلها فى المخالفين من أهل السياسية. وطرح المعادلة بهذه الصيغة يعنى أن الثورة لايزال أمامها وقت طويل وأشواط أخرى لكى تحقق أهدافها.