( ليس بالتجريم وحده نوقف الإساءة للأديان )

دعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بإصدار قانون دولى يحرم الإساءة للأديان وأكد على ضرورة إصدار هذا القانون للحفاظ على السلم العالمى من أى تهديد أو عدوان وهو من واجبات الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، كما أعدت جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة وثيقة مبدئية لتجريم ازدراء الأديان لتقديمها للولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى للتصديق عليها. وأيضاً اقتراح وفد المثقفين الأقباط والذى ضم الدكتور سمير مرقص مساعد رئيس الجمهورية والدكتور منير فخرى عبد النور وزير السياحة السابق والمنسق العام لحركة كفاية السابق جورج إسحاق والدكتورة ليلى تكلا. تقدموا باقتراح لفضيلة شيخ الأزهر لإصدار وثيقة جديدة تعبر عن نبض الشارع المصرى وتشمل قضايا مثل كيف نضع ضوابط قانونية وأخلاقية لمنع ازدراء الأديان على المستوى المحلى والدولى والممارسات الخاطئة فمجال الإعلام والثقافة والتعليم والخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى.

والسؤال الذى بات يطرح نفسه بناء على هذه الدعوات هل يمكن أن تصدر الأمم المتحدة قانونا يجرم ازدراء الأديان؟ الإجابة قد تكون بنعم بعد الأحداث التى صاحبت الفيلم المسىء للنبى الكريم ولكن فى حالة ما إذا استطاعت الدول العربية والإسلامية حشد الدول الصديقة لإصدار قانون لتجريم لازدراء الأديان ولكن فى اعتقادى الشخصى فإن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى لن توقع على هذا القانون وذلك خوفاً من شعوبها التى تقدس حرية التعبير التى لا سقف لها، فلن يسمح لأى رئيس من رؤساء هذه الدول حتى وإن كان أوباما نفسه رئيس أكبر قوة عظمة فى العالم مجرد التفكير فى قانون مثل هذا، فهو يعرف جيداً أن انتقاد الأديان جزء أصيل من الثقافة الغربية وهو ما يتنافى مع ثقافتنا الشرقية.

فبالرغم من أن ديانة أغلب الأوربيين هى المسيحية إلا أنها أكثر الأديان تعرضاً للإساءة فهناك عشرات الكتب والأفلام التى تنتقد وتسىء للمسيحية. فمنذ عقود طويلة وفقد الدين قداسته فى أعين الغربيين فقد تعرضت المسيحية على مدى تاريخ أوروبا القريب لإساءات شديدة، أشهرها فى الفترة الأخيرة رواية شفرة دافشنى للكاتب دان براون وهذه الرواية باعت أكثر من 40 مليون نسخة والتى تحولت إلى فيلم لاحقاً قام ببطولته الممثل العالمى توم هانكس الحاصل على أوسكار أفضل ممثل وهذه الرواية تشوه حقائق عن الإيمان المسيحى إلا أن الفاتيكان لم يدع إلى مقاطعتها إدراكاً منه أنه ليس فى قدرته منعها. فهناك تيار يعادى الدين فى الغرب، كل الأديان وهذا التيار لا يتورع إلصاق أى تهمة بالدين ونزع ثياب القدسية عن هذه الأديان فى أعين معتنقيها، بالتشكيك مرة وبالطعن فى صحتها تارة أخرى.

فإن إصدار قانون يجرم الإساءة للأديان لن يمنع الإساءة للأديان أو يقلل منها بل سوف تزيد الهجمات، فدائماً ما يتجه الجمهور إلى ما هو ممنوع وليس ما هو متاح، فكما يقول الممثل الممنوع مرغوب حتى وإن كان مؤذيا. مثال لذلك عندما ظهرت رواية شفرة دافنشى منعت من دخول مصر إلا أنه فى الأيام التالية كانت تباع على الأرصفة وبأسعار ما كانت تباع فى حالة عدم منعها، فهناك بعض الأعمال التى لا ترقى إلى المستوى الأدبى والفنى التى يمكن أن نقول عنها أنها رواية محترمة وذات هدف ومضمون، إلا أن منعها جعلها من أكثر الروايات مبيعاً.

وفى اعتقادى الشخصى أن تجاهل الإساءة حل فعال جداً لمحاربة ازدراء الأديان خاصة وأن هذه الإساءات تقابل بمظاهرات تخرج عن السيطرة فتشوه صورة الإسلام والمسلمين، فالغالبية الكبرى تتفق فى أن المظاهرات التى حدثت فى مختلف الدول الإسلامية ومنها مصر أمام السفارة الأمريكية والتى بذلت قوات الأمن فيها جهداً كبيراً للسيطرة عليها وعدم تطورها إلى مواجهات دامية مثل التى حدثت فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، قد أساءت للإسلام والمسلمين. فلو تم تجاهل هذا الفيلم لما كان له تأثير فإحدى القنوات الدينية الشهيرة قامت بعرضه وهى قناة يصل بثها إلى الملايين، مما ساهم فى تعقيد الموقف، فالفيلم كان موجوداً على الإنترنت من فترة ليست بالطويلة، إلا أن أحد لم يلتفت إليه إلا عندما سلطت الأضواء عليه خاصة وأن بعض المتطرفين من الجانبين أراد إشعال الموقف ويمكن أيضاً محاربة الإساءة للدين الإسلامى من خلال دراسة القوانين الأمريكية والأوروبية ومن ثم توكيل مكاتب قانونية متخصصة فى مثل هذه الأمور لملاحقة كل من يسىء للإسلام.

أعزائى القراء.. لم يكن ولن يكون الفيلم السىء للرسول الكريم الأخير، لأن هناك جهات تريد تشويه صورة الإسلام والمسلمين ووصمهم بالإرهاب والتخلف والهمجية. فليس بتحريم الإساءة للأديان يمكن أن نوقف الإسلام، ولكن نوقف الإساءة من خلال توضيح الصورة الحقيقية للإسلام الحضارى الذى أسهم فى تقدم الحضارة الإنسانية على مدار 1400 عام وذلك من خلال المؤسسات المعنية مثل الأزهر الشريف ووزارة الخارجية وجمعيات المجتمع المدنى من خلال ردود الأفعال المتعقلة التى تبعد عن الحماسة والعصبية، وأيضاً من خلال اللجوء للمراكز القانونية المتخصصة لتعقب هؤلاء. وأيضاً من خلال احترام المسلمين لعقائد الأخيرين، فقد آلمنى تجريح بعض المسلمين مثل الداعية الشيخ وجدى غنيم الذى دأب على التحقير من المسيحية والمسيحيين وآخرها وصفه للقساوسة بالشواذ وبأن أقباط المهجر مومسات وقيام الشيخ أبو إسلام بتمزيق الإنجيل والتهديد بالتبول عليه فى المرة القادمة ومواقف أخرى كثيرة، لذا فيجب على الجميع احترام جميع الأديان حتى لا تحدث فتن نحن فى غنى عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *